أصحاب الفضل علي كثيرون، أحاول تذكرهم في دعائي دائما، ولكن لكثرتهم فقد أتذكر بعضهم أحيانا، وقد أنسى بعضهم، ومن هؤلاء الذين لا يمكن أن أنساهم، بل وربما على رأسهم، أستاذي الدكتور عماد شاهين، استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، والأستاذ الزائر بجامعة هارفارد
مش عارف أكتب إيه، لأن الدكتور عماد مش ممكن حد (وخصوصا أنا) يوفيه حقه بالكتابة، تعرفت عليه بعد سنة تقريبا من التحاقي بالجامعة، وده مكنتش عن طريق محاضرات ولكن عن طريق طلبة كان بيدرسهم وكانوا طول النهار اللي على لسانهم الدكتور عماد قال الدكتور عماد بيقول
بعد كدة التقيته في نموذج مجلس الشعب في الجامعة، وهو كان المشرف الأكاديمي على النموذج، وكتب لي بعد المؤتمر كلمة لازلت أحتتفظ بها، وقد كانت أول تعارفي به، قال فيها:
الأخ العزيز إبراهيم الهضيبي، كنت ومجموعتك خير تمثيل لما تؤمن به بأسلوبك الهادئ وحسن أخلاقك، أسأل الله أن يوفقك ويرشدك، عماد الدين شاهين
أكاديميا
حضرت له محاضرة عن الحركة الإسلامية ولم أكن أدرس معه وقتها، وكانت على ما أذكر محاضرة في فصل الصيف، فلما استأذنته للدخول رحب بي أشد الترحيب، وقد كنت متربصا بعض الشيء في الحقيقة، فلما استمعت لما قاله في تعريف الحركة الإسلامية وما إلى ذلك ظللت أفكر في هذا الكلام شهورا، ولا أزال متأثرا به أشد التأثر، وقد كانت تلك المحاضرة علامة فارقة في حياتي من دون شك، نقلتني من الارتباط العاطفي بالحركة الإسلامية (اللي ناس كتير مش واخدين بالهم إنه عاطفي، الارتباط الطبيعي يعني) إلى الارتباط العقلي بالحركة الذي لا ينفي الارتباط العاطفي ولكنه يعمقه ويرسخه، ويرشده
بعد ذلك توطدت علاقتي به من خلال المحاضرات والمواد التي درستها معه، خاصة مادتي (الاقتصاد السياسي لبلدان الشرق الأوسط)، و(الحركات الإسلامية المعاصرة)، ولازلت أذكر المحاضرة الأولى لمادة (الحركات الإسلامية المعاصرة) والتي درستها معه في صيف 2005، وكان عدد الطلبة حوالي 15 نصفهم من العرب والمسلمين ونصفهم من الغربيين، فجلست على المقعد المجاور لي طالبة مكسيكية، وطلب الدكتور منا أن يتحدث كل عن سبب تسجيله هذه المادة، وعما يتوقعه من المحاضرات، فتحدثت المكسيكية قبلي وقالت إنها تعمل في مجال المكافحة الدولية للإرهاب، وتريد أن تعرف أكثر عن الحركات الإسلامية، وبالتالي فهي تظن أنها في المكان المناسب، فضحك الدكتور عماد وهو ينظر إلي قائلا: إنتي في المكان المناسب بالضبط، ثم قال بالعربية: اتفضل يا إبراهيم، فضحك العرب في الفصل، وعرفت أنا نفسي فقلت إنني أرغب في معرفة المزيد عن تجارب الحركات الإسلامية ومفكريها ومشكلاتها
من كلماته التي لا يمكن أن أنساها خلال محاضرات هذه المادة:
الفروق بين التيارات الوسطية والتيارات المتطرفة ليست فروقا في الوسائل والإجراءات، ولكنها فروق في المناهج والأيديولوجية
المشكلة الأساسية للإخوان هي أنهم فشلوا في التحول من تيار إسلامي رئيسي إلى تيار وطني رئيسي
الإخوان في مصر يجب أن يعوا أن تجربتهم مختلفة، وأنهم لا يجب أن يفشلوا، لأن فشلهم سيكون كارثة للحركة الإسلامية كلها، فيجب دائما أن يحافظوا على الهدوء والمرونة في حركتهم
الحركة الإسلامية هي الأصل في البلاد العربية، ولا يمكن فصلها عن الطبيعة المكونة للمجتمعات الإسلامية
ولا يمكن أن أنسى تعريفه للفارق بين الشريعة والفقه، ولا رؤيته لدور الإجتهاد ومجالاته ومقاصد الشريعة ومكانتها ودورها في التشريع
في نهاية الكورس طلب الدكتور من كل منا أن يقوم بعمل دراسة عن الحركة الإسلامية في بلد من البلدان لعرضها على الفصل، فطلبت منه أن أقوم بدراسة الحركة الإسلامية في مصر (وكانت تشمل الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية) فقال: فكر برة الإطار دة شوية يا إبراهيم، أنا هعمل مصر، وإنت تركيا،
فكانت دراستي للحركة الإسلامية في تركيا سببا في أن أطلع على تجربة مختلفة، ولازلت إلى الان شديد الإعجاب بالتجربة التركية، وكان كتابه القيم
(الصعود السياسي: الحركات الإسلامية المعاصرة في شمال إفريقيا
Political Ascent: Contemporary Islamic Movements in North Africa)
دليلي للحركات الإسلامية في شمال إفريقيا، وبه أيضا من الدروس والتجارب ما لا يصح لعقول الحركات الإسلامية تجاهله، من باب (أفلم يسيروا في الأرض فبنظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم)
تعرفت خلال دراستي لهذه المادة، ومن خلال ما كنا نقرؤه، على مجموعة كبيرة من المفكرين الإسلاميين، الذين قد يختلف المرء معهم أو يتفق، ولكن تخطي إسهاماتهم من دون الوقوف عندها والاستفادة منها هو نوع من العبث، ويؤخر الكثير الكثير، منهم راشد الغنوشي، وحسن الترابي، والخميني، وعلي شريعتي، بالإضافة طبعا للبنا وسيد قطب والمودودي
ولا أنسى إشارته للفارق الكبير بين أفكار البنا وقطب، وكون قطب أكثر تأثرا بأفكار المودودي منه بأفكار البنا وأساتذته رشيد رضا، ومحمد عبده وغيرهم ممن تعرفت على فكرهم أكثر من خلال محاضراته
ولا أنسى كيف أنه كان يختلف بشدة مع أفكار سيد قطب، ويراها خاطئة وخطيرة، ولكنه كان يكن له كل الاحترام، ويلتمس له الأعذار في ما كتب بسبب ما تعرض له من تعذيب، ولكنه يعود ويقول أنها أفكار بعيدة عن فكر الإخوان، وأن الإخوان رفضوها بكل وضوح في كتاب (دعاة لا قضاة)، ولكنهم لم يكونوا ليمنعوا مفكرا من أن يقول رأيه، لأن ذلك ليس من منهجهم
وفي مادة أخرى درستها معه تحدث معنا في المحاضرة الأخيرة عن الهوية، وكان عدد الأجانب من الطلبة لا بأس به، ولكنه عندما تحدث عن الهوية، وعن الوسطية في الهوية، وكيف أنه يجب على كل إنسان أن يبحث عن الأصول المكونة لذاته وهويته، ويفهمها ويقتنع بها، ويميز بينها وبين غيرها من مكونات الهوية، وإلا صار إما انطوائيا منغلقا، وإلا مسخا، أو neither nor كما قال الدكتور في الفصل، يحاول ترك هويته والبحث عن هوية بديلة، فينتهي به الحال أنه بلا هوية، وميز الدكتور بين هذا الموقف، وموقف من انطلق بعد أن فهم أصول هويته يبحث عن الأفضل من مكونات الهويات الأخرى، فيصل إلى أفضل الأماكن، كانت كلماته عميقة وواضحة حتى صفق له الجميع في المحاضرة
كنت أختلف معه حين يقول أن أتاتورك كان له فضل على النهضة الصناعية التركية، فأتاتورك بالنسبة لي كإسلامي هو الشيطان الأكبر، ولكنني عندما اراجع نفسي، وأقرأ في النهضة الصناعية التركية بإنصاف أجد أن أتاتورك كان فعلا صاحب فضل في هذا الأمر، وقد تعلمت من القرآن (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)، وتعلمت من الحديث أن (الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها)، وتعلمت من شيوخي أنه لا يوجد شخص سيء بالمطلق، ولا يوجد شخص صالح بالمطلق، فكل – كما قالوا يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات مرة، قال كلمة عابرة في وسط محاضرة من محاضراته؛ قال أنه عكف سنوات (لا أتذكر كم عددها) على قراءة كل ما كتب رشيد رضا، كل حرف كتبه رشيد رضا فعلا، حتى يستطيع أن يكون رؤية واضحة عن أفكاره ورؤيته للغرب، وهو موضوع رسالته في الماجيستير، ذهبت بعد المحاضرة إلى المكتبة واستعرت رسالته المطبوعة في كتاب عنوانه: عبر عيون مسلمة: رشيد رضا والغرب
Through Muslim Eyes: Rashid Rida and the West
وهو كتاب عدد صفحاته لا يتجاوز 150، ولكنه من العمق والفهم اللا محدود، وكيف ولا وقد قرأ الرجل الاف الصفحات وأكثر من كتب رضا وسيرته حتى يخرج 150 صفحة من خلاصة فكره؟ تعلمت من هذا الموقف ألا أحكم على فكر شخص من خلال ما قاله بعض الناس عنه، أو من خلال قراءتي لسيرته (فالسيرة شيء والفكر شيء آخر، إلى حد كبير على الأقل) ولا من خلال قراءة مقال أو مقالين، وإنما من خلال قراءة عميقة ومتأنية لحجم معقول من أعماله التي كتبها حول موضوعات مختلفة، وفي أوقات مختلفة، وقد فعلت ذلك بعدها مرات ثلاث، مع الأستاذ الإمام محمد عبده، والأستاذ سيد قطب، والأستاذ مالك بن نبي، وفي الحالات الثلاث (والتي قرأت فيها أعمالهم بنسب متفاوتة ولكنها كبيرة) أستطيع القول أن ذلك اثر على فهمي لهم كثيرا، وبالتالي من إبداء رأي أكثر موضوعية في آرائهم، وأنه مكنني من فهم أمور كثيرة متعلقة بواقع الحركة الإسلامية المعاصرة من خلال فهمي لأصولها الفكرية عن هؤلاء
أستاذا وإنسانا
والدكتور عماد مش بس أكاديمي متميز، هو أيضا أستاذ متميز، عنده علم مش قليل، ولكنه دائما على استعداد للتنسيط ثم التبسيط ثم التبسيط لكي يفهمه الطلبة، كان يقول لنا في بداية المحاضرات محفزا على المشاركة والاختلاف معه في الرأي: استفزوني بالأسئلة، فأنا أدرس أفضل حين يستفزني أحد
حسه الفكاهي في عرض الواقع السياسي المصري يضيف إلى محاضراته بعدا إنسانيا رائعا
أشار مرة إلى انقطاع الصلة بين الصحف الحكومية والواقع، وأعطى على ذلك أمثلةعدة، ثم بعدها وفي نفس المحاضرة أشارت إحدى الطالبات إلى أنها كانت في السعودية وقت وقوع مجموعة من الإنفجارات الإرهابية هناك ولكنها لم تعلم عنها شيئا، فقال بتلقائية: أكيد كنتي بتقري الأهرام هناك
كنت كلما ذهبت لأسأله على الدرجات بعد الامتحانات يقول مازحا: بصراحة يا إبراهيم مخبيش عليك أنا معنديش وقت أصلح، فأنا هقف على السرير وأرمي الورق، اللي هيقع فوق ينجح واللي يقع تحت يسقط، وإذا قابلته بعدها قال: ماشية معاك الورقة وقعت على السرير، هذا مع العلم أنه شديد الدقة في التصحيح، فهو يخصم نصف الدرجة وربعها إذا استلزم الأمر
ومكتب الدكتور عماد مفتوح على طول، وقد كنت أقضي به وقت طويل أثناء دراستي بالجامعة، فأحيانا أتحدث إليه، وأحيانا يطلب مني سؤالا سريعا لامتحان سريع يعطيه للطلبة في مادة درستها معه من قبل، وأحيانا يعمل بينما أطالع أنا المكتبة، ولكثرة ما أخذه الطلبة من كتب مكتبته ولم يعيدوه وضع ورقة على المكتبة يقول فيها: فمحبوبي كتابي، فهل أبصرت يوما محبوبا يعار؟ ومع ذلك فقد كان يعيرني الكتب قبل أن أطلب أنا استعارتها، كنت إذا ناقشته في موضوع يعيرني بعض الكتب التي تناقشه برؤى مختلفة، وكان لذلك عميق الأثر في أن أرى وجهات النظر والرؤى المختلفة المتعلقة بتلك الأمور
وفي مكتبه كذلك دارت مجموعة من النقاشات التي أثرت كثيرا في إسلوب تفكيري، وفي حجم إدراكي، فهناك التقيت طلبة من الجامعة من الاتجاهات المختلفة كلهم يحبون عماد شاهين الإنسان والأستاذ، والتقيت بمجموعة من أصدقائه المثقفين الذين سعدت بالتعرف عليهم ومناقشتهم والتعلم منهم، والتقيت بمجموعة من طلبته ممن حضروا له محاضرات أو ندوات، وهم من جامعات مختلفة، لن أنسى منهم الشيخ محمد طالب اللغة العربية بالأزهر، والذي سافر بعد ذلك في منحة إلى الولايات المتحدة، وكان الشيخ محمد كثير الحديث بالإنجليزية، وكنت أعتب عليه ذلك في حواراتي معه، فتدخل الدكتور عماد مرة وقال: والله يا عم الشيخ إنتا شكلك هتعمل زي الطهطاوي، هتسافر أمريكا تنبهر، وتتجوز واحدة أمريكانية، وتكتب كتاب عن وصف أمريكا، بس يا ريت يا شيخ متنساناش وقتها بس،
كل واحد من هؤلاء الذين رأيتهم في مكتب الأستاذ يشعر أن الدكتور عماد أبوه أو أخوه، فهو يساعده وينصحه ويقومه
المكتب المجاور لمكتبه هو مكتب الدكتور وليد قزيحه، رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة، وواحد ممن تعلمت على أيديهم الكثير، وقزيحة هو استاذ الدكتور عماد الذي درسه خلال فترة دراسته بالجامعة، والدكتور عماد هو نموذج لاحترام الطالب لاستاذه، فعلى الرغم من اختلاف أرائهما، فالدكتور عماد شديد الحرص على تلبية كل ما يطلبه الدكتور وليد، ولا يمر الدكتور وليد من أمام مكتب الدكتور عماد أو يدخله إلا وقف الدكتور عماد لتحيته، وسأله عن صحته وعما إذا كان يريد شيئا، وربما مازحه، وفي أحد الفصول الدراسية كانت عندي محاضرة مع الدكتور عماد، بعدها بساعتين محاضرة مع الدكتور وليد، وكنت أقضي المدة بين المحاضرتين في مكتب الدكتور عماد، وكان دائما ينبهني لأن أدخل إلى المحاضرة التالية قبل الدكتور وليد
وتواضع الدكتور عماد فعلا يضايقني، لأن تواضعه يشعرك بأنه فعلا لا يعرف قدره وقيمته، فهو قد تم اختياره من طلبته كأفضل أستاذ في الجامعة، ونال جائزة تدريسية أخرى من هارفارد، وكبار الأكاديميين في مجالات الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط والإسلام السياسي يعتبرونه (الخبير) في هذا المجال، ومع ذلك أتذكر أنه أكثر من مرة طلبت منه قنوات فضائية عمل مقابلات حول قضايا متعددة وكان يرفض، ولما أسأله عن السبب يقول: يعني هقول إيه؟ أنا معنديش حاجة متميزة أقولها، هكذا بمنتهى التواضع، حتى كنت أقول له: يا دكتور حرام عليك، لو حضرتك مش هتتكلم بإنصاف حد غير حضرتك هيتكلم بدون إنصاف، فكان هو بعد ذلك يذكرني بهذه الكلمة كل فترة
الأخ والصديق
كل هذا كان عن الدكتور عماد الذي يعرفه طلابه، ولكني لا أزال أريد الكلام عن الدكتور عماد الذي أعرفه أنا، وقد حرصت على أن تمتد علاقتي به بعد الجامعة، فأذكر أنه في آخر فصل دراسي لي بالجامعة كان الدكتور قد سافر للتدريس في هارفارد، وكان أكثر ما يحزنني أن مكتبه كان مغلقا، فكنت أمر عليه في الطريق إلى المحاضرات، وأتذكر الدعاء لأستاذي وأخى الدكتور عماد
لن أستطيع أن اكتب كثيرا، لأن مواقفي الشخصية معه لا يصح نشرها بدون إذنه، وهو لن يأذن لأنه لا يحب أن يكتب عنه أحد
ولكن لن أنسى أبدا أنه لايزال حريصا على الاتصال بي من أمريكا على فترات متقاربة للتواصل معي، وأنه لا يزال أحرص الناس (أو أحد أحرص اثنين، ثانيهما الباشمهندس خيرت) على أن استكمل دراساتي العليا في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي
ولا يمكن أن أنسى حرصه على أن أحضر معه المؤتمرات والندوات، وسعيه لذلك، وكيف كان يعتذر لي عن خطأ هو غير مسؤول عنه أخر وصول دعوة لي للحصور لأحد المؤتمرات قبل شهر فلم أتمكن من الحضور
والدكتور عماد دائما ينصحني وقتما أحتاج للنصيحة، وهو دائما يقومني وقت الغضب، ويبث الأمل وقت اليأس، خاصة مع الأوضاع الراهنة في مصر، وبصراحة (يؤدبني) وقت النرفزة، وهو شديد الحرص على ألا أفقد تركيزي فيما أجيد، أو فيما يرى أنني أجيده، وهو الكتابات الفكرية
وقد كان في الجامعة يقرأ مقالي الإسبوعي في مجلة الجامعة ويعلق عيه، وقال لي مرة: إنت بتاع المعنى اللي يوصل في كلمتين، متبطلش تكتب مقالات، أتذكر أنه قال لي هذه الكلمات ونحن في منزله بالساحل الشمالي بعد انتهاء الفصل الدراسي، نتحدث وقت الغروب عما يمكن القيام به لبناء مصر أفضل، فلا أظن أحدا اهتم بهذا الموضوع كاهتمام الدكتور عماد، ولا تزال نصيحته تلك تمثل دافعا كبيرا لي للكتابة، وقد أعادها مرة أخرى قبل أيام في حوار دار بيني وبينه عبر الإنترنت، عندما طلب مني أن أعطي المزيد من الوقت للكتابة، وسأفعل ذلك إن شاء الله
ذات مرة بعثت له مجموعة من الإيميلات فلم يرد، فقلقت واتصلت به فلم يرد، ثم اتصل هو بي في اليوم التالي، وأخبرني بأنه كان مريضا بسبب الإرهاق، فلما طلبت منه أن يرتاح قال أنه لن يرتاح حتى يشعر أنه قدم شيئا للبلد، أتذكر كم صدمتني تلك الكلمة، لأنه بالفعل قدم الكثير، من طلبة (صنعهم) وعلمهم ورباهم، لمراجع شارك في كتابتها، لأفكار كتبها وحلقت في سماء المعرفة، ولكنه التواضع
والان وبعد أن سافرت أدركت ما كان يقوله الدكتور عماد حين يحدثني من خارج البلاد فيقول: أنا عايش في أمريكا وقلبي في مصر، وحاسس إنني مشلول علشان مش عارف أعمل أي حاجة للإصلاح في بلدي وأنا في الخارج، مع العلم بأنه كان يعمل الكثير
عشرات المواقف الأخرى أذكرها، وأتذكر المزيد في كل ثانية، ولكن لا بالقلم (ولا بالكيبورد) أستطيع أن أوفي أستاذي حقه، ولا أستطيع أن أكتب من المواقف الشخصية من دون إذنه، ولكن يكفي القول أنني لم أجد شريفا من أي من التيارات المختلفة إلا ويحب الدكتور عماد، على الرغم من أنه قد يكون مختلف معه فكريا بوضوح، ولكنه مدرسة حقيقية، تتعلم منها العلم والأخلاق
كلماته ونصائحه دائما بسيطة وواضحة، حتى تظن معها أنها غير كافية أو غير عميقة، ولكن الحقيقة على عكس ذلك تماما، فهو يؤمن –كما كان يعلمنا في المحاضرات- أن التعقيد المبالغ فيه ليس شيئا جيدا، وبالتالي فهو يصل إلى قلبك وعقلك بفكرة بسيطة من كلمات معدودة منها:
الحل ليس الان، ولكنه يبدأ الان بإعداد كوادر قادرة على التعامل مع الواقع وفهمه والتواصل مع الناس بشكل جيد والتخاطب مع العالم بلغته
وأنا في الحقيقة أكتب الكلمات ثم أمحوها لخصوصيتها، ولكني لا أستطيع أن أنساه في الدعاء
هذا هو رابط أحد مقالات الدكتور عماد
الدكتور عماد الان في مصر، في أجازة، وأنا الان خارج مصر، ولكن بإذن الله سأعود لأراه قبل أن يسافر،
يا رب...بارك للدكتور عماد، واجزه عما يقوم به للأمة الخير كل الخير
Thursday, June 28, 2007
Wednesday, June 27, 2007
لن أكتب تدوينة حماس
أولا جزى الله خيرا كل من سأل عني أو أرسل تعليقا أو تذكرني في دعائه خلال الأيام الماضية، وأسأل الله الكريم أن يتقبل من الجميع، وأن يجزيهم عني خيرا
المهم بقة، أنا بعد شوية تفكير قررت ألا أكتب التدوينة التي كنت قد وعدت بها والمتعلقة بحماس وما يحدث الان في الأراضي المحتلة، وذلك لعدة أسباب
أولا بصراحة أنا حاولت أكتب التدوينة، وبعد أول كام سطر حسيت أني مش عارف أكتبها، علشان أنا عارف إن الموضوع للأسف حساس جدا بالنسبة للكثيرين، وللأسف تعلمت من تدويناتي السابقة أن قدرتنا على تقبل (رأي مختلف) في مثل هذه القضايا ضئيلة جدا جدا،وعلشان كدة كنت بفكر كتييييير أوي قبل كل كلمة بكتبها الناس ممكن تفهمها إزاي، وتفسرها إزاي، وتتقبلها ولا لأ، علشان بصراحة أنا مش قادر أدخل في حالة دفاع عن النفس تاني
ودا أمر غير أخلاقي في الكتابة، يعني مش ممكن أكون بكتب علشان الناس تتقبل، ومش ممكن أكون (بأيف) وجهة نظري لترضي القراء
في الموضوع ده تحديدا حصل إختراق لمساحتي الخاصة، المساحة التي تفصل بين عقلي والكيبورد، من قبل أخوة يرون حماس (ملائكة لا يخطئون) ومن ثم فمجرد نقدهم كارثة
الحقيقة أنه لم تتم مناقشة أي من الأفكار التي طرحتها
تمت مناقشة شخصي، ونيتي في الكتابة، وغروري، بل وأسرتي وأجدادي (للمرة الثالثة في شهرين)، وعلاقتي بهم ومدى تأثري بهم، وتلك مساحة بعيدة عن البعد عما طرحته، وهي مساحة شخصية وخاصة جدا، ولا علاقة لها بما أكتبه وأدونه، وقد كنت أفضل أنني كما آثرت عدم الخوض فيها أن يحترم القارئ خصوصيتي في هذا الأمر
وعندما أكتب في هذا الضغط، فإن جزءا من الكتابة سيذهب في محاولة شرح حسن النية من الكتابة، وهو نوع من النفاق وتملق القارئ أراه بعيدا عن الأخلاقية في الكتابة
والخيار الثاني (وهو الذي اخترته دائما) هو أن أكتب ما أراه، وأتحمل نتيجة ردود الفعل
وبصراحة، وفي ظل الضغط الذي أعيشه من القضية نفسها أصلا، ومن مجريات الأمور من حولنا، لا أظنني أقدر على ذلك
أنا عارف إن اللي أنا بعمله غلط، وعارف إنني المفروض أكتب
بس أنا فعلا مش قادر على القرف
يعني مرة جريدة زي روز اليوسف المشبوهة تاخد الكلام وتأوله على أنه هجوم على الإخوان، ومرة بعض الإخوة يقوموا بالأمر نفسه
اللي بيحصل دة هو تحديدا اللي سميته قبل كدة (عسكرة ساحات الفكر)وده أمر مدمر لأي جد بيحاول يفكر
متفهمونيش غلط،مش معنى الكلام ده إني مش هدون في أمور بنفس درجة الحساسية بعد كدة، بس اليومين دول هدون عن أمور أخرى، خاصة أن هناك من يقوم بفرض الوقت، أو النقد الذاتي في هذا الأمر، ومنهم عبد المنعم محمود ومجدي سعد وغيرهم
السلامو عليكو
Friday, June 01, 2007
لسة
قضايا الحريات لا تعرف التجزئة
مش ممكن نشعر بالحرية إلا إذا شملت الجميع
مش ممكن أشعر إن أنا حر إذا كان هناك من سلبت حريته
لو لم يكن ادراكا لأهمية الحرية كقيمة تصنع الإنسان، الذي ميزه خالقه على غيره من المخلوقات بأن جعل له العقل
وحرية الإختيار (وهديناه النجدين) والتي يحاسب على خياراته فيها
لو لم يكن لهذا السبب، لكان لسبب آخر، وهو أن الحرية لو منحت لبعض السجناء السياسيين دون الجميع فهي ليست حقيقية لأنها تعبر عن تكتيك سياسي في الإفراج عن البعض بسبب المعادلات السياسية، وبالتالي فقد نكون نخن خارج السجون اليوم، ويكون غيرنا خارجها غدا، ونأخد نحن أماكنه بالداخل
أقول هذا كله لأن سعادتي بخروج أخي عبد المنعم محمود من المعتقل كادت أن تنسيني أن القضية ليست قضيته وحده، أقول كادت لأنني لم أتذكر ذلك إلا في السطر الأخير من التدوينة التي كتبتها وقتها
كانت صحفية قد سألتني أسباب الإفراج عن منعم، فقلت لها أن السؤال لا يجب أن يكون لماذا أفرج عنه، بل لماذا اعتقل، لأن منعم مكانه ليس أبدا السجن
الأمر نفسه ينطبق على كل المعارضين السياسيين الشرفاء المسجونين، والذين يواجه بعضهم محاكمات عسكرية أقل ما توصف به أنها ظالمة، وواجها البعض الاخر منذ أشهر ويقبع بسببها في السجن، وبعضهم واجه محاكمة يفترض أنها مدنية، تم اختيار قاضيها بعناية (وهو نفس القاضي في الحالات كلها) ليواجه أيضا عقوبة السجن
الحقيقة كما قلت من قبل أن الإفراج عن منعم لا يجب أن ينسينا (وأنا متأكد أنه لن ينسي منعم) أن الطريق مازال طويلا، وأن السجن به من المعتقلين المظلومين من نتفق معهم في المنهج والرؤية (كمعتقلي الإخوان سواء المحالون إلى المحكمة العسكرية أو غيرهم) ومنهم من أختلف معه في المنهج والإسلوب والرؤية، ولكني أدافع كذلك عن حقه في الحرية، لأن الخلافات الفكرية لا يجب أن تحسمها المحاكم أبدا، ومن هؤلاء طبعا كريم عامر
لسة الطريق طويل
لسة في 20 ألف معتقل في مصر مسجونين بدون أحكام قضائية
لسة في عشرات حالات التعذيب، والفيديو ده إللي عملاه هيومان رايتس واتش يشير إلى بعضها
لسه في صحف ممنوعة، مثل صحيفة الشعب لحزب العمل، اللي هو كمان مازال مجمدا رغم صدور الكثير من الأحكام القضائية لصالحه
لسة في أربعين إصلاحي مصري (هما إخوان ولكن ليست القضية كونهم إخوان ولا لأ، القضية أنهم يدافعون عن أبناء هذا الوطن وحقوقهم) يواجهون محاكمة عسكرية، وجلستها القادمة يوم الأحد، وهناك وقفة احتجاجية ومؤتمر جماهيري حاشد غدا في نقابة الصحفيين، أرجو من الجميع الحضور والمشاركة، وأولهم إن شاء الله منعم
لسة طلبة الجامعات بيعانوا من خنق أمني كبير لهم في جامعاتهم لا يمكنهم من التعبير عن آرائهم، وتنمية قدراتهم على المشاركة في عمل سياسي سلمي في ظل جو من التسامح يقبل بالاختلاف ويوظفه ويتعامل معه بإيجابية
لسة النظام بيحارب الحق الدستوري للشعب المصري في التظهر والتجمعات السلمية للتعبير عن الآراء السياسية، النظام لسة بيحارب هذا الحق ويقيده
لسة واحد زيي وهو بيكتب الكلام ده بيحس إنه بياخد مخاطرة، وأنه من الممكن أن يؤاخذ أو بفقد حريته بسبب هذا الكلام، لسه العساكر بتوع الأمن المركزي ماليين ساحات المظاهرات، وضباط أمن النظام (مش عارف لماذا تسمى أمن الدولة) متواجدين وبكثافة في عقول الكتاب والمفكرين، يمنعوهم من حرية التفكير، وحرية التعبير
لسة العمال بيتظاهروا كل يوم علشان حقوقهم، ومحدش بيسمع غير كل فين وفين، ومنظمي الاحتجاجات بتعرضوا لمشكلات لا حصر لها مع الأمن، لأنهم يدافعون عن حقوق العمال
لسة مقالات الأستاذ فهمي هويدي بتتمنع من الأهرام، ولسة بيعتبروا الإخوان جماعة محظورة، ولسة صور الرئيس دائما في الصدارة، ولسة الرئيس دائما هو الحكيم، وهو دائما على حق، وأي أحكام قضائية يرتاح لها النظام تظهر في صفحات الجريدة الأولى، وأي قرار لا يرتاح له يختفي، وقد يظهر من أصدره في صفحة الوفيات، ولسة في برنامج قذر اسمه حالة حوار، ولسة المذيع اللي اسمه تامر بتاع البيت بيتك موجود يهاجم كل ما لا يحبه النظام، ويمجد ويعظم في آلهة النظام، يعنس لسة الإعلام ليس حرا
لسة الوزراء غير المرغوب فيهم موجودين، والوزراء اللي الناس بتحبهم بيمشوا، وكذلك المحافظون، ولسة التغيير الوزاري ليس للشعب علاقة به سواء في توقيته أو في اختيار أشخاصه، أو حتى معرفة معايير هذا الاختيار، بل هي كلها (ظواهر طبيعية) كما أشار أحد الكتاب لا أتذكر من هو، يعني لسة الشعب المصري كله مقهور، ولا يشارك في القرارات السياسية، ولا في اختيار ممثليه
لسه طريق الحرية طويل
يبدأ غدا برفض المحاكمات العسكرية
ولا ينتهي إلا بعد انتهاء كل المشكلات التي أشرت إليها
لا ينتهي حتى تكون مصر كلها...حرة
كما تعلمنا في النشيد الوطني
مصر أنتي أغلى درة
فوق جبين الدهر غرة
يا بلادي عيشي حرة
واسلمي رغم الأعادي...أو قل، رغم الإستبداد
Subscribe to:
Posts (Atom)