Wednesday, November 14, 2007
Behind Closed Doors, my article in the Guardian
This is the link to an article I've written for the Guardian, commenting on the ongoing military tribunal for Muslim Brotherhood leaders, and the deteriorating human rights' conditions in Egypt
دي وصلة لمقالة كتبتها لجريدة الجارديان تعليقا على المحاكمة العسكرية لقبادات الإخوان المسلمين، وعلى الأحوال السياسية المتردية في مصر
Sunday, November 11, 2007
هكذا يكون الحوار، مقالي على إخوان أون لاين
هذه وصلة لمقالي على إخوان أون لاين، والذي أعقب فيه على مقال كان قد كتبه الدكتور محمد البلتاجي تعقيبا على مقال سابق كنت قد كتبته
ويشكر لإدارة الموقع نشرها للمقال، وإن كانت لم تظهرة بالشكل الذي ارغبه، ولكني أستطيع أن أتفهم ذلك
وهذا هو نص المقال
بقلم: إبراهيم الهضيبي
لا تستطيع كلماتٌ أن تعبر عن سعادتي بالردِّ القيِّم الذي كتبه أستاذي الدكتور محمد البلتاجي تحت عنوان: (المرجعية الإسلامية تقتضي أن تكون الأمة مصدر السلطات) على مقال سابق لي، نَشَره موقع (إخوان أون لاين) تحت عنوان: (الإسلام مرجعيتنا جميعًا).
ولسعادتي هذه شقَّان: شق شخصي؛ سببه روح الحب والمودة التي أبداها الأستاذ الكريم في مقاله، وشقٌّ موضوعي؛ سببه رقيُّ مستوى النقاش وموضوعيتُه، الذي أتمنَّى أن تستمرَّ لتعبِّر بصدق عن روح الحوار والشورى كما يجب أن تسود؛ فالمقال يوضح ويناقش بموضوعية نقاط الخلاف فيما بيننا.
ويُشكر لإدارة الموقع إتاحتُها المساحةَ لمثل هذا الحوار واحتضانُها لتلك التجربة الحوارية التي هي تراثٌ أصيلٌ لجماعة الإخوان، والتي أتمنَّى أن تستمر على نفس المنوال؛ لثقتي أنه مع كل مقال يُنشَر تزداد الرؤية عمقًا عند جميع الأطراف؛ وهو ما يؤثِّر إيجابًا على الحركة الإسلامية، ومن ثم على حركة الإصلاح الوطني في بلادنا.
والحقيقة أن ما شجَّعني على التعقيب هو ذلك الأمر، إضافةً إلى الكلمات المستنيرة التي ختم بها الدكتور البلتاجي مقاله؛ حيث قال: "ما أحوجَنا إلى الحوار الداخلي قبل الخارجي، بأدبياتنا الرفيعة!! وما أحوجَنا إلى الحوار الخارجي دون تبادل اتهامات بالجمود ولا بالتخوين!!" وتلك كلمات على بساطتها فهي تستحق أن توضع ميثاقًا للحوار؛ بحيث نخرج من دائرة (الشخصنة)، ونناقش الأفكار بموضوعية بعيدًا عن قائلها، ومن دون اتهام لنيته أو سوء ظن به؛ بحيث نجسِّد بصدق ما قاله البنا "ويعذر بعضُنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
ثم إن إشارة الدكتور البلتاجي لأهمية مشاركة الشباب في الحوار لهي تجسيدٌ حقيقيٌّ لمنهج طالما التزمته الجماعة منذ نشأتها؛ إذ إن الإمام الشهيد أنشأ الجماعة وهو في سنٍّ أصغر من سنِّي بعامين، وفضيلة المرشد الحالي كان قائدًا لكتائب الدفاع عن أرض الأمة وعرضها في فلسطين وهو يصغرني بأعوام أربعة، ثم إن معظم حوارات الإمام البنا وخطاباته في رسائله كانت للشباب، وكذا كان للشباب دورٌ فعَّالٌ في كل اللحظات المهمة في تاريخ الجماعة، لعل آخرها المشاركة في مظاهرات الإصلاح، وانتخابات مجلس الشعب، كل هذا يُسهم في إنضاج الفكر؛ بحيث تصبح المشاركة في الحوار الدائر حول البرنامج السياسي- الذي يمثِّل لحظةً هامةً بل تاريخية أخرى في تاريخ الجماعة- أمرًا طبيعيًّا إن لم يكن ضروريًّا.
ويطرح الدكتور البلتاجي في مقاله القيِّم مجموعةً من النقاط أتفق مع بعضها وأختلف مع البعض الآخر؛ فأما أهم ما أتفق معه فهو تلك الفقرة التي يتحدث فيها عن قواعد الحكم في الإسلام، والتي يختمها بقوله: "إن المشكلة ليست في الإرادة الحرة للأمة، ولكن مشكلتنا هي الاستبداد والقهر والتسلط والقمع الذي يمنع الأمة أن تسمع لنا، وأن تفهمنا على حقيقتنا دون عوائق أو تهديدات أو تشويهات".
وأظنني لا أجترئ على كلام الدكتور البلتاجي، ولا ألوي عنقه إذا قلت إن تلك الكلمات تعني أنه يتفق معي في أن معركة الإسلام الحقيقية الآن هي معركة إيجاد الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة فيها، وليس العكس كما يظن البعض أو يردد؛ بسبب سوء فهمهم لنا أحيانًا، وبسبب الرغبة في ترويع الناس من مشروعنا الإصلاحي في أحيان أخرى.
ويقودني ذلك لنقطة أختلف فيها مع الدكتور البلتاجي، وهي أنني أرى أننا في سعينا هذا لا بد أن نؤكد أن للجميع حقوقًا متساويةً، فلا يمكن لنا أن نفترض أن أقباط الأمة "سيتفهَّمون أن رمزية مهام رئيس الدولة حين تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، بما في ذلك رعاية الدين وإنفاذ أحكامه، ستجعل مطالبتنا لهم بحمل أعباء هذه المسئولية- التي لا تتوافق مع عقيدتهم- ظلمًا لا نرضاه ولا يرضونه"، ثم نبني على ذلك قرارًا بمنعهم من الترشح للرئاسة، فقد يكون لبعض الأقباط، تمامًا كما قد يكون لبعض المسلمين، مشروعٌ سياسيٌّ مختلفٌ، ولا يحق لنا أن نحجر عليهم في هذا الأمر، طالما أن الخيار في النهاية للأمة، التي هي مصدر السلطات كما سبق وأشرت.
وأريد أن أكون واضحًا في تلك النقطة؛ فمن الطبيعي في أي انتخابات أن يختار كل ناخب المرشح الأقرب لرؤيته وبرنامجه، وبالتالي فمن الطبيعي أن أنتخب- وينتخب الدكتور البلتاجي وغيرنا من الإخوان- المرشح الإسلامي، أو أقرب المرشحين للمشروع الإصلاحي الذي نحمله، وذلك حق مكفول لا يحق لأحد أن يجادلَنا فيه، ولكن من حق أصحاب المشروع المخالف كذلك أن يرشِّحوا أنفسهم؛ فالقبطي إذا رشح نفسه فهو إما ارتضى أن ينفذ برنامجًا إسلاميًّا (إن كان من أبناء المشروع الإسلامي)، وإما اختار مشروعًا آخر (كما هو الحال ربما مع غيره من المسلمين الذين لا يختارون المشروع الإسلامي، والذين يسمح لهم برنامج الإخوان بالترشح)، وفي كلتا الحالتين فذلك حقه، وللشعب الحق في أن يختار من يشاء.
فإذا اختار الشعب خيارًا غير التيار الإسلامي- وهو الأمر الذي يثق الدكتور البلتاجي في عدم حدوثه لانحياز الأغلبية من الشعب المصري للمشروع الإسلامي- فإن هذا يعني أن أفكارنا لم تقنع الناس بالشكل الكافي، وبالتالي فإن المطلوب هو تحديدًا ما تحدث عنه الدكتور البلتاجي حين قال: "مشروعنا يتجه للقاعدة قبل القمة، والمجتمع قبل الحكومة"، المطلوب أن يكون التفاعل مع آليات الديمقراطية والحوار لإقناع الناس بمشروعنا، لا سدّ الطريق على مشروعات أخرى؛ بحيث لا يبقى بديلاً لمشروعنا، وإلا كنا مثل النظام الحالي الذي يصفه الدكتور البلتاجي بقوله: إنه يضع "شروطًا للإقصاء".
ويحمل كلام الدكتور البلتاجي افتراضًا آخر أراه في غير محله، وهو أن المسلم بالضرورة إن انتُخب رئيسًا فإنه سيحافظ على ثوابت الأمة، والواقع المشاهَد يقول خلاف ذلك؛ فكل رؤساء دول المسلمين هم من المسلمين، ومع ذلك فلا قرارات الحرب تراعي الرؤية الشرعية، فضلاً عن رعايتها لمصالح الأمة، ولا ثوابت الأمة يتم الحفاظ عليها، ولا المشروعات الإصلاحية الإسلامية يتم أخذها بعين الاعتبار.
خلاصة هذا القول والواقع أنه ليس كل مسلم يحافظ على الثوابت، ولا كل غير مسلم يدهسها، وبالتالي فإن الرهان على شخص واحد للحفاظ على ثوابت الأمة هو رهان خاسر، والحديث عن المؤسسات يجعل الأمر في يد الأمة لا في يد شخص، وبالتالي يبقى لنا بعضٌ من ميراث النبوة، أو العصمة من الخطأ لما في قول الرسول "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
نقطة أخرى متعلقة بولاية المؤسسات، يتساءل الدكتور البلتاجي عما إذا كانت مصر دولة مؤسسات؟! وأقول إن مصر بشكلها الحالي دولة فرد واحد بلا شك؛ فالرئيس له صلاحيات مطلقة (أو تكاد تكون كذلك حتى أكون دقيقًا)، ولكن السؤال هو: هل رؤيتنا للنظام السياسي التي يعرضها الحزب تفترض الأمر ذاته؟ إننا نعرض في البرنامج رؤيةً لنظام نسعى لإصلاحه لكي لا يبقى بهذه الصورة، وهذا الإصلاح إنما يكون بترسيخ المؤسسية، وقد وصلني تعليق على مقالي السابق من الأستاذ فهمي هويدي، أضاف فيه فقرةً لموضوع حكم المؤسسات كنت أتمنى إضافتها للمقال، ولكن للأسف وصلتي بعد نشره، يقول فيها: "ولا بد أن نلاحظ هنا أن القرآن حين تحدث عن قيادة الأمة لم يستخدم صيغة المفرد وإنما تحدث دائمًا عن جماعة أو فريق؛ فلم يذكر ولي الأمر في أي نص قرآني، وإنما الإشارة دائمًا إلى أولي الأمر، حتى قيل في الأثر: "إن تصرف الفرد في المجموع ممنوع".
فإذا كان هذا هو النظام الذي نرغبه ونسعى إليه- وهو كذلك من دون شك- فإننا عندما نعرض التفصيلات فإننا لا بد وأن نعرضها في ضوء هذه الرؤية القائمة على المؤسسة، وهو ما يجرُّني للحديث عن آخر نقطة أناقشها، وهي تلك المتعلقة بتفسير الحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"؛ حيث يرى الدكتور البلتاجي- نقلاً عن أساتذة كبار هم د. ضياء الدين الريس، ود. عبد الرازق السنهوري- أن "الدولة القطرية حلَّت في استقلاليتها وصلاحيتها محل دولة الخلافة".
وأقف هنا عند نقاط ثلاث:
فأما الأولى فهي أن رؤية الدولة جزء من رؤية الواقع المرتبطة بالزمان، والأساتذة العظماء الذين سبقت الإشارة إليهم من زمان غير زماننا، وبالتالي فأخْذ كلامهم من زمانهم وإسقاطه على زماننا فيه ظلم شديد لهم، ثم إن المستشار طارق البشري- وأظن الدكتور البلتاجي يتفق معي في كونه أعلم أهل العصر بهذه الأمور- يرى خلاف ذلك.
وأما النقطة الثانية فهي أن تلك المناقشة تتجاوز نقاطًا طرحتها في المقال السابق حول مفهوم الحديث والذي يوقفه العلامة القرضاوي، كغيره من الفقهاء المتقدمين، الذين أشار إليهم الدكتور سليم العوا في كتابه القيم (النظام السياسي الإسلامي)، يوقفونه عند سبب وروده، ويجعلونه حديثًا إخباريًّا، إضافة إلى أنه يأتي بمعنى الولاية المطلقة التي لا مكان لها لرجل أو امرأة في دولة تقوم على المؤسسات.
وأما النقطة الثالثة التي وَدِدتُّ الإشارة إليها فهي موقع دولة الخلافة من هذا كله؛ فأنا أرى فيما يقوله الدكتور البلتاجي عن استبدال الدولة القطرية بدولة الخلافة بُعْدًا عن مفهوم (الأمة الواحدة) الذي يتحدث عنه القرآن، والذي يمثل أحد ثابتَين للحركة الإسلامية ثانيهما إقامة الشريعة، وتلك (الأمة) لا بد أن توجد، ونحن نتعبَّد بالسعي لإيجادها، وإن كانت هي الأخرى لا تقوم بالضرورة على (ولي أمر) له سلطات كبيرة، وإنما كذلك على المؤسسات.
ولعل ما طرحه الدكتور محمد عمارة قبل سنوات عن كون منظمة المؤتمر الإسلامي يمكن تطويرها وتفعيلها لتصبح نموذجًا معاصرًا لوحدة المسلمين هو كلامٌ يستحق التأمل؛ فهو بذلك يتخطَّى أزمة الدولة القومية مع الخلافة، ويوجد آليةً أكثر مؤسسيةً للحكم، وذلك كما سبق أقرب للمقاصد الشرعية.
أردت بذلك أن أشير إلى أن الكلام عن دولة المؤسسات ليس هروبًا من موضوع تولِّي المرأة رئاسة الدولة، وليس حلاًّ جزئيًّا لهذا الأزمة، وإنما هو حلٌ شاملٌ يحمل رؤيةً أراها أقرب للمقاصد من الحديث عن ولاية رجل أو امرأة.
وأنا هنا حين أنادي بعدم منع ترشيح القبطي والمرأة للرئاسة، فإنني لا أنسلخ عن مدرسة الإخوان، بل أنحاز لبديل من بين بدائلها الداخلية تبنَّاه أحد الورثة الشرعيين لمدرسة الإصلاح والتجديد ولأفكار الإمام البنا، وهو العلاَّمة الدكتور يوسف القرضاوي، وتبنَّاه معه مجموعة محترمة من المفكِّرين والمثقَّفين من أبناء ذات المدرسة، وكذا تبنَّاه عدد من أبناء التنظيم، وأرى أن هذا الرأي يدخل ضمن ما يصفه البلتاجي بأنه "ليس على حساب الثوابت قطعية الثبوت والدلالة، وفيها سعة شرعية، وسعيًا (ممن يطرحه) ألا نعطي الفرصة للمتربِّصين بمشروع الإصلاح الإسلامي العام ولا بمشروعنا الإسلامي".
تلك نقاط أطرحها للحوار، عالمًا أنها ليست "الجواب النهائي" لما هو مطروح للنقاش، وليست- بطبيعة الحال- كلمة الختام التي تحسم التباين في وجهات النظر، وإنما أطرحها لتضيف وجهة نظر ورؤيةً في حوار آمل أن يستمرَّ بذات الروح الإيجابية، ولكن على يد أشخاص آخرين.
ذلك أن استمرار النقاش بين نفس الأفراد يُضفي عليه نوعًا من السجال والشخصنة، وهو ما لا أريده لا أنا ولا أساتذتي الذين ناقشتهم بهذه الكلمات، ثم إن القارئ لا يعرف مدى الحبِّ والودِّ الذي يحمله كاتبُ هذه الكلمات لأساتذته الذين اختلف معهم وناقشهم، سواء المهندس علي أو الدكتور البلتاجي، وبالتالي فقد يُظَنُّ أن الموضوع سجالٌ شخصيٌّ، فنخرج به عن الموضوعية الحوارية التي نسعى إليها جميعًا تطبيقًا لقيمة الشورى؛ ولذلك فإن إشراك آخرين بآرائهم التي تمثل زوايا أخرى للنظر مهم بقدر أهمية هذا الحوار، واستعداد الجميع للتخلي عن المواقف السابقة (الصحيحة والنافعة) بحثًا عن (الأصوب) و(الأنفع) هو مفتاحُ النجاح لهذا الحوار، الذي أرى في استمراره مفخرةً حقيقيةً للجماعة، ونفعًا كبيرًا للدعوة، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
Wednesday, November 07, 2007
رد على مقالي
شرفني الدكتور محمد البلتاجي بأن كتب هذا الرد على مقالي الذي سبق أن نشره موقع إخوان أون لاين
والحقيقة أنني كنت أنوي أن أضع بعض الإضافات على المدونة، كتلك الفقرة الإضافيه التي اقترح الأستاذ فهمي هويدي أن أضيفها، ولكن اقتراحه وصلني متأخرا بعد أن كنت نشرت المقال
ولكني رأيت أنه من الأولى أن أنشر مقال الدكتور البلتاجي غير مصحوبا بتعليق مني، ثم أتبع ذلك بتعقيب عليه
وهو في مجمله مقال مفيد، اتفق مع بعض ما جاء فيه وأختلف مع بعضه، وهو ما سأوضحه في حينه
هذه هي وصلة المقال على الموقع
وهذا هو المقال
بقلم: أ. د. محمد البلتاجي
قرأتُ مقال أخي الحبيب إبراهيم الهضيبي "الإسلام مرجعيتنا جميعًا"، فأسعدني بأدبه الوافر، وفكرته الواضحة، وضبطه وحسن تعبيره عمَّا يريد.. ومَن شابه آباءه الكرام فقد أحسن.. رحم الله آل الهضيبي وجزاهم عنَّا وعن دعوتنا خير الجزاء.
أتفق مع أخي في كثيرٍ مما ذكره، ومنه أن أخي الحبيب م/ علي عبد الفتاح كان كعهدنا به في غيرته وحماسته ودفاعه- عمَّا نؤمن به جميعًا- لكنه دهس عن (غير قصد) مشاعر إخوانٍ كرامٍ يتعبدون معه في محراب مرجعية الإسلام وحاكمية الشريعة، كما بدا وكأنه محتكرٌ لمفاهيم الإسلام الصحيحة ولثوابت الدعوة وأصولها، وأشار إلى رجالٍ كرامٍ (كم رأينا منهم تعاطفًا مع قضايانا العادلة واقترابًا من مواقفنا) فبدا كأنه لهم مُخوِّن ومتهم.. وما أظنه قصد إلى ذلك، لكنها الحماسة والغيرة أدَّت به إلى ما لا نريد.
ورغم اتفاقي (سعيدًا) مع أخي إبراهيم في كثيرٍ مما طرحه، لكني أخالفه في حديثه عن:
1- ولاية المؤسسات واختلاف طبيعة الدولة الحديثة التي حلَّت محل حكم الأفراد فغيَّرت من أحكامها.. عن أي دولةٍ تتحدث؟! عن مصر أم باكستان أم ليبيا وتونس والجزائر أم الممالك الأردنية والمغربية والسعودية، بل أقول أين هذا حتى من واقع غيرنا لنبني على واقعه أحلامًا لنا؟.. يا أخي، رمزية رئيس الدولة وصلاحياته لا تزال حتى في الدستور الأمريكي تثبت محوريته في واقع أمته.
2- تفسير الحديث "لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة..." بمعنى الخلافة وليست الدولة الحديثة.. الواقع يقول كما ذكر د. ضياء الدين الريس ود. عبد الرازق السنهوري أن الدولة القطرية الحديثة حلَّت في استقلاليتها وصلاحياتها محل دولة الخلافة، فانتقلت إليها أحكامها، لكنَّ العجيبَ أني أجد حتى المعادين والرافضين لفكرة الخلافة يلجأون لهذا التفسير في الحوار معهم للهروب من التعامل مع النص.
3- الحديث عن (إنصاف المرأة وكرامة وحقوق الضعفاء ومنهم الأقليات) لا ينطبق بالضرورة على منصب رئيس الدولة، فالحاجة إلى الإنصاف وصون الحقوق في شتى مناحي الحياة حاجة حقيقية، لكن النساء والأقباط في مجموعهم غير منشغلين بالمنافسة على منصب رئيس الدولة، فهم في حاجةٍ لإنصاف وصون حقوق اجتماعية ووظيفية وسياسية ومادية وتعليمية وغيرها.. والأمر بخصوص "رئيس الدولة" لا يعدو ما قاله جمال أسعد عبد الملاك: بُعدًا نفسيًّا لماذا تضايقني به؟
ولا يعني خلافي مع أخي إبراهيم فيما ذكره أني أتبنى في القضية موقفًا مخالفًا تمامًا له، لكني أنظر للموضوع من زاويةٍ أخرى:-
أ- قواعد الحكم في الإسلام كما ذكرها إمامنا البنا، وكما هي وفق نصوص المنهج الإسلامي تقوم على (مسئولية الحاكم- وحدة الأمة- احترام إرادة الأمة)، فأنا مشغولٌ بموقفٍ من الترشيح يحترم إرادة الأمة ولا يكبلها، ويجعل عصمتها في يدها تجيء بمَن تشاء، وتخلع مَن تشاء وقتما تشاء.. نعم إنَّ مشروعنا الإسلامي لا تقوم به إلا حكومةٌ إسلاميةٌ بحق (والحكومة الإسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعالميه ولا بأسَ بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة).
هذا هو مشروعنا الذي ندعو إليه ونتبناه (وندعو الأمة الإسلامية إلى تبنيه حتى لو اختارت غيرنا)، ونحكم به (إن اختارتنا الأمة)، لكن الفارق الكبير بين حقنا هذا وبين أن نفرض هذا المشروع لنصادر إرادة الأمة في المستقبل ولو من حيث الشكل بتقييدها.. وهذا المنظور يتوافق مع طبيعة مشروعنا الذي يقوم على قناعة المجتمع به وتبنيه له.. فمشروعنا يتجه للقاعدة قبل القمة، والمجتمع قبل الحكم، ومن ثَمَّ فمنهاجنا يرفض فرض الأمر الواقع (ولو كان صحيحًا) فلا يرضى بالانقلاب العسكري ولا الانقلاب الدستوري، كما يرفض الوثوب إلى السلطة في غفلةٍ من الأمة (ولو كان بانتخابات) ولا بتعديلٍ دستوري في غفلةٍ من الأمة (ولو باستفتاءٍ صحيح).. لكنه يحترم إرادة الأمة في كل وقتٍ لتختار مَن تشاء، وتخلع من تشاء دون مصادرةٍ لإرادتها.
ونحن نثق في رشد الأمة وصحة اختيارها ولا نخافه.. بل مطمئنون كل الاطمئنان إلى أنها ستُعبِّر عن هويتها وحضارتها، وستتجاوب مع مشروعنا وفكرتنا.. إن مشكلتنا ليست الإرادة الحرة للأمة، لكن مشكلتنا هي الاستبداد والقهر والتسلط والقمع الذي يمنع الأمة أن تسمع لنا، وأن تفهمنا على حقيقتنا دون عوائق أو تهديدات أو تشويهات.
مشكلتنا هي المصادرة على إرادة الأمة بحظر الممارسة السياسية على أساس الدين، وبوضع شروط لإقصاء الأمة عن المشاركة في المسئولية واحتكار هذا لصالح أفراد، بل نحن واثقون أن أقباط الأمة بانتمائهم الحضاري للإسلام سيتجاوبون مع مشروعنا، وسيتفهمون أن رمزية مهام رئيس الدولة حين تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، بما في ذلك من رعايةٍ للدين وإنفاذ أحكامه، ستجعل من مطالبتنا لهم بحمل أعباء هذه المسئولية (التي لا تتوافق مع عقيدتهم) ظلمًا لا نرضاه ولا يرضونه.
أكرر لسنا في حاجةٍ إلى مصادرة إرادة الأمة وحقها في أن تختار مَن تشاء وقتما تشاء.
ب- أهمية التوافق المجتمعي (فيما لا يأتي على حساب الثوابت الشرعية)، والذي من أولوياته إصلاح الحكم، وإطلاق الحريات، وصون كرامة الإنسان، والتأكيد على (مسئولية الحاكم- وحدة الأمة- احترام إرادة الأمة).
وهنا أرى أن كثيرًا ممن أبدوا وجهة نظر مغايرة (في نقاط محدودة) لبرنامج حزبنا المقترح مخلصون، وكان اختلافهم معنا اجتهادًا في الرأي انطلاقًا من رؤيتهم أن ما يطرحونه ليس على حساب الثوابت قطعية الثبوت والدلالة وفيها سعة شرعية، وسعيًا منهم ألا نُعطي فرصةً للمتربصين بمشروع الإصلاح السياسي العام (الذي توافق المخلصون معنا على أجندته) ولا المتربصين بمشروعنا الإسلامي (الذي كثيرًا ما دافع المخلصون عن حقنا في عرضه على الشعب- وإن اختلفوا معنا في بعض نقاطه).
وأنا هنا أقصد أساتذةً كرامًا من الإسلاميين وحتى من غير الإسلاميين أمثال د. عمرو الشوبكي، د. ضياء رشوان، د. عمرو هاشم ربيع، وحتى د. خليل العناني الذي كان لاذعًا ومبالغًا وهو يتحدث عن مراهقة الإخوان وتثوير الإخوان.
وإن كنتُ لا أغفل أن آخرين وهم ينتقدوننا كانوا أصحاب مشاريع (متشابكة مع أصحاب مصالح في الداخل وأصحاب هيمنة في الخارج) فدعوا لتجييش الجيوش للقضاء علينا وتنادوا صراحةً "انتهزوا الفرصة" رغبةً في إقصاء المنهج الإسلامي ليس عن الساحة السياسية والحكم فحسب، بل عن كل جوانب الحياة؛ فهم يرون حتمية الحل الأمريكي بحلوه ومره، بخيره وشره، ولا يقبلون بتديين السياسة ولا حتى بتديين الأخلاق والآداب العامة.
أخيرًا أحبتي:
هي أفكار في حاجةٍ إلى المناقشة في أجواءٍ من الثقة والصراحة.. لكنَّ عصا الأمن الغليظة وأجواء الاستبداد والقمع التي تعيشها مصر لم تتح لنا فرصةً آمنةً للقاء والحوار في أجواءٍ طبيعيةٍ من جانب، وشغلتنا بردود الأفعال حول (الاعتقالات والمحاكمات العسكرية والفصل للطلاب والتشريد للعمال) من جانبٍ آخر فامتنع الحوار المباشر فيما بيننا.
فظننا أن مواقفنا متباعدة رغم أننا جميعًا لم نُبدِّل ولم نُغيِّر ولن..حقًّا.. ما أحوجنا للحوار الداخلي قبل الخارجي بأدبياتنا الرفيعة.. وما أحوجنا للحوار الخارجي دون تبادل اتهاماتٍ لا بالجمود ولا بالتخوين.
وأكثر ما يسعدنا أن نشارك أجيالنا الشابة بمثل هذا الأدب والتوقير للسابقين، وهذا الوضوح والرسوخ الذي كتب به إبراهيم الهضيبي.. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10).
________________________
وأنا لا يسعني في النهاية ألا أن أشكر للأستاذ الكريم مجاملاته الرقيقة التي لا أظنني أستحق معظمها، وأدعو الله أن يستمر هذا الحوار الراقي في ظل تجرد وإخلاص وسعي لما فيه مصلحة بلادنا وفهم أعمق لديننا ورسالتنا
والحمد لله رب العالمين
Monday, November 05, 2007
الأستاذ عاكف: ألف تحية
يتحدث الكثيرون -من الإخوان وغيرهم- عن الحرية وأهميتها، بس المية تكدب الغطاس
يعني هؤلاء أغلبهم مع الحرية طالما هي في صفهم وفي صالحهم، أما إذا كان الرأي الحر عكس ما يريدونه فتختفي كلمة الحرية وتظهر محلها عشرات الكلمات من دون (لم يحن وقته) ، (ليس المكان المناسب)، (لا داعي له)...إلخ
والأستاذ عاكف ليس واحدا من هؤلاء
فهو رجل يؤمن حقيقة بالحرية، كما سيتبين من مواقف ثلاث أعرضها
وأنا أعرضها لسبب واضح
هو أنني أختلف مع الأستاذ في بعض الأمور، التي أشرت إليها غالبا في وقتها، وأشرت إليها في بعض كتاباتي، لعل أهمها بعض تصريحاته الصحفية
وقد وجهت في أوقات سابقة بعض النقد للتصريحات، وأراه نقدا في محله
ولكن الإنصاف يقتضي أن أشير لما آراه إيجابيا كما أشرت إلى ما رأيته سلبيا، عسى أن ننتفع بالإيجابي ونتعلم من السلبي فنتقدم خطوات إلى الأمام
الموقف الأول
قبل ثلاثة أشهر، كتبت مقالة عن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، محللا أسباب نجاحه ومقارنا بين مواقفه إزاء بعض الأمور وموقف مجموعة أخرى من الحركات الإسلامية تجاه مواقف مشابهة، وكان من بين الت الحركات الإخوان
وكان من بين ما انتقدت مجموعة من تصريحات الأستاذ، وأفعال النواب، وقرارات الجماعة
وكان من بينها كذلك مجموعة مواقف لنجم الدين أربكان، وهو صديق شخصي مقرب للأستاذ عاكف
وأرسلت المقالة للأستاذ ليقرأها قبل نشرها، فاتصل بي وقال لي (لما ترجع مصر ليك عندي قرصة ودن)، فذهبت إليه أزوره عندما عدت إلى مصر، واستقبلني مرحبا وسائلا عن أخباري وأخبار أسرتي، ثم أخرج المقال من مكتبه ليناقشه معي
لم أكن أعرف تحديدا ما هو رد فعله تجاه المقال، وكنت أخشى أن يتعامل مع ما فيه من نقد بشكل شخصي، ذلك لأنني حقيقة عندما أنتقد لا أقصد أشخاص أبدا وإنما أتناول مواقف وأفكار
المهم أنه بدأ بالإيجابيات، فقال إن المقال يطرح أفكارا جيدة، وإنه سعيد باهتمامي بمثل هذه القضايا
ثم أتى على نقطة النقد، فتقبله بصدر رحب، وكان تعليقه الوحيد أنني حينما أشير إلى السلبيات فلا داعي لذكر الأشخاص، إذ يكفي أن أشير إلى الصورة الإيجابية فتتضح منها السلبيات، واختلفت معه في تلك النقطة، فأنا أرى ضرورة الإشارة للسلبيات حتى نتعلم منها، فطلب مني ألا أحدد أشخاصا أو جهات حتى لا أسيء لأحد، وناقشني بموضوعية في المقال، وانتهى بتأكيده أنه يجب أن أستمر في البحث في هذا المجال، والسعي لتقويم الحركة
وناقشته في بعض المواقف وأبدى تفهمه لوجود المشاكل التنظيمية، وقال لي ما نصه: لما حد يشوف حاجة غلط المفروض ميسكتش لحد ما تتصلح
وخرجت من عنده مستبشرا، فالرجل أكد لي في نهاية الحديث أنه مهتم بأن يراني مستمرا في الكتابة والنقد
الموقف الثاني
قبل يومين من سفري من مصر ذهبت للأستاذ لأودعه، وكان هناك اجتماعا بالدار، وكان عددا من الإخوة موجودين، ولم أدخل حتى بدأ أحدهم في تناول قضية التدوين، وقال آخر إن المدونين في حاجة إلى ضبط بعد أن أصبح بعضهم صداعا، خاصة في مسائل النقد، وهنا تدخل الأستاذ وقال بانفعال وحسم: سيبوا الناس براحتها؛ يقولوا اللي هما عايزينه، مش ممكن هنخنقهم في دي كمان
لم أحتج لكمة أقولها بعد ما قاله الأستاذ
كنت فقط أتمنى أن يكون كل من يطالب بالصوت المنخفض وبالسكوت أحيانا حاضرا حتى يسمع الأستاذ وهو ينتصر للحراك الداخلي، وينتصر لحرية الرأي داخل الجماعة
الموقف الثالث
غضبت بشدة عندما قرأت مقال المهندس علي عبد الفتاح، ليس بسبب اختلافه معي في الرأي، وإنما لأن المهندس علي وجه اتهامات لا تليق لمن اختلف معه متهما أياهم الخوف من الأمن والتفريط والعلمانية إلخ
إتصلت بعدد من الإخوة طالبا منهم حق الرد، إما أن أكتب أنا أو يحذف المقال، أن يكتب غيري
المهم أن الجميع إلا الأستاذ رفض، فقال بعضهم إن الوقت ليس مناسبا (لا أعرف ما هو الوقت المناسب لمناقشة قضايا تتعلق بالبرنامج إن لم يكن ذلك وقت إعداده) وقال آخرون إنه لا يمكن نشره حتى لا ندخل في سجالات من الردود، إلا الأستاذ عاكف
في الحقيقة كان موقفه من البداية رائعا، فقال لي: إبعت لي المقال، ولو كان فيه الشروط اللي اتفقنا عليها المرة اللي فاتت وفيه أفكار إيجابية هنشره
بعد يومين، وصلني رفض المقال من أخ أحبه، ولنه قال لي: مش هيتنشر، بس مش هكبل حريتك، إعمل اللي إنت عايزه
فاتصلت بالأستاذ وكان الضيق واضحا في صوتي، وكنت قررت إن لم ينشره الموقع أن أنشره في موقع آخر مع الإشارة لرفض الموقع نشره
بدأ الأستاذ كعادته بالترحيب الشديد، ثم أبدى إعجابه بالمقال، وقال إن الجماعة اتخذت رأيا مغايرا، فسألته: هل معنى ذلك أن تحجر على رأيي؟ فقال لم يحجر أحد على رأيك، قلت له الموقع لم يقدم إلا رأيا واحدا، وقدمه مصحوبا بسيل من الاتهامات، فقال إن الاتهامات لا تجوز،
المهم أنني قلت له أنا التزمت بما وعدت به وهو البعد عن الشخصنة في النقد، قاللي أنا هشوف إيه الظروف وإن شاء الله هنشره
ثم قال مازحا: متقلقش يا إبراهيم إعتبرني بدالك طول ما إنت مسافر، فقلت له يا أستاذ حضرتك تعرف مقامك عندي، وتعلاف إن حضرتك على دماغي، ولكن أنا من حقي أعرض رأيي
وانتهت المكالمة
ولم أكن أتوقع نشر المقال، ولكني فوجئب به على الموقع
هذه مواقف 3 حدثت كلها خلال الأسابيع الأخيرة
وهناك مواقف أخرى للأستاذ بها دروس رائعة للتعلم، طلبت منه أن يكتبها أو أن يجري حوارا حولها، ولكنه اعتذر لضيق الوقت، وطلب مني أن أنشر بعضها، فتلك أشير إليها لاحقا
ولكن ما أردت الإشارة إليه هنا هو أن موقف الأستاذ عاكف من الحرية هو موقف مبدئي وأخلاقي وليس تكتيكيا
فهو حقا يؤمن بها ولو اختلفت نتائجها مع ما يريد
وتلك نقطة لابد وأن نتعلمها منه
Sunday, November 04, 2007
الإسلام مرجعيتنا جميعا
نشرت هذا المقال بإخوان أون لاين تعليقا على مقال سابق نشر للمهندس علي عبد الفتاح
قرأت مقالاً للمهندس علي عبد الفتاح على موقع (إخوان أون لاين) بعنوان: (الإسلام مرجعيتنا)، يدافع فيه عن البرنامج الحزبي الذي أعد الإخوان النسخة الأولية منه (وهذا حقه)، وقدم فيه في الوقت ذاته نقدًا لاذعًا لمن يخالف هذا الرأي، وهو أسلوب من النقد لا يسعُني إلا أن أختلفَ معه، حتى وإن صدر من شخص له في قلبي مكانة كمكانة المهندس علي.
والحقيقة أن منزلتي من المهندس علي هي منزلة التلميذ من الأستاذ، إلا أن ذلك لن يمنعني من أداء حقه عليَّ، وواجبي نحوه في النصح، الذي هو الدين كما في الحديث: "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" والحقيقة أيضًا أن المهندس علي، بنشره هذا المقال على الموقع، لم يُبقِ لي إلا أن أعلِّقَ عليه بمقال على الموقع؛ أملاً أن يساعد ذلك في إثراء الحوار الداخلي الصحي الدائر حاليًّا حول نقاط الاختلاف في البرنامج.
ولا بد من إشارةٍ هنا لمن لم يعتَدْ من الإخوان على تقبُّل الخلاف الداخلي في الرأي، بأن أنوِّه بأن الإمام الشهيد حسن البنا كان يكتب المقال في جريدة (الإخوان المسلمين)، فيختلف معه فيه الأستاذ العشماوي، فيردّ بمقال في العدد اللاحق، ورغم أن البنا كان هو المحرِّرَ، إلا أنه كان ينشر المقال ولا يردُّ في العدد ذاته، بل يرد في العدد التالي ليقدِّمَ نموذجًا راقيًا للتسامح وتقبُّل الآراء المختلفة وعدم الخوف من طرح الخلاف الفكري على أعضاء الجماعة بل وعلى المجتمع عامة؛ علَّ هذا الاختلاف يؤدي إلى تطوير الأفكار وإصلاحها، وأولى بنا أن ننهج هذا النهج في التعامل مع خلافاتنا، وألا نخاف من أن تؤثر تنوعات الآراء على وحدتنا.
كان لا بد من توضيح تلك المسألة في المقدمة حتى نُنزِلَ الناس منازلَهم، وحتى يتمَّ التعامل مع الخلاف في الرأي بنفسيةٍ تحاول الاستفادة منه، ورؤيةِ إيجابياتِ كلِّ وجهةِ نظر، بدلاً من أن نتعامل معه بمنطق الإقصاء، وللدكتور محمد حبيب كلمةٌ عميقةٌ في هذا المجال، يقول فيها: إن هناك 360 درجة نحتاجها لكي ننظر إلى الأمر من جميع جوانبه، وكل من وجهات النظر المختلفة تمثِّل واحدة من هذه الزوايا، وبالتالي فكلما تعدَّدت وجهات النظر ازدادَ حجمُ الإدراك بحقيقة الموضوع محلّ النظر، وكانت القرارات المترتبة على ذلك أقرب إلى الصواب منها إلى الخطأ، وتلك ميزةٌ من مزايا الشورى، والإمام البنا يقول عن الإخوان: "فهم أوسع الناس صدرًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا، وفي كل دعوة حقًّا وباطلاً، فهم يتحرَّون الحق" (1).
يقول المهندس علي في مقاله- معلِّقًا على اختلاف البعض حول مجموعة من القضايا المطروحة في البرنامج-: "هل الضغط الأمني الداخلي والحصار الإقليمي والعداء العالمي للإخوان المسلمين الدافع الرئيسي لهذه التصريحات؟! أرى أن صاحب هذه التصريحات يُسيء أولاً إلى الإسلام، وإلى الإخوان المسلمين ثانيًا، وإلى نفسه ثالثًا.. إن علامة ارتباط الرمز بتياره تقدَّر بقدر ما يعبِّر هذا الرمز عن ثوابت وأفكار ومنطلقات ورؤى ومرجعية هذا التيار، هل يظن هؤلاء أن تحسين صورتهم الشخصية أمام النخب السياسية يكون بنعتهم معتدلين، مع الاعتذار لهذا اللفظ الذي صار يُستخدم في غير معناه، فصار بمعنى التفريط ويطلق على (المفرطين)" (2).
وتلك كلمات قاسية جدًّا، ما كان ينبغي أبدًا أن تصدر عن قيادة إسلامية بحجم المهندس علي، ففضلاً عن كون مجموعة من أبناء الإخوان يتبنَّون هذه الأفكار التي انتقد من يتبنَّاها؛ فإن مجموعةً من المفكِّرين الإسلاميين والفقهاء لهم مثل هذه الرؤية، منهم على سبيل المثال: العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، والمستشار طارق البشري، والدكتور محمد سليم العوَّا، والأستاذ فهمي هويدي، وهي كلها أسماء ناصعة، لا يجوز ولا يصح نعتُهم بمثل هذا، إن لم يكن لأيديهم البيضاء على الحركة، فلأنهم يصدرون تلك الآراء بعيدًا عن الضغط الأمني، ولأنهم خاضوا على طول تاريخهم من المعارك الفكرية التي انتصروا فيها لثوابت الأمة ما خاضوا، بل إنهم الورثةُ الشرعيون لمدرسة الإصلاح والتجديد الإسلامي، التي نشأت في نهايات القرن الماضي على يد الأساتذة: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، تلك المدرسة التي كان الإمام البنا أنجبَ أبنائها، والتي أقام على أفكارها جماعة الإخوان.
ثم إنه عند خلافنا في الأفكار لا بد أن نتعامل مع الأفكار ذاتها، لا أن نشكِّك في نوايا من كتبها، فالنية تدخل ضمن الغيب الذي قال فيه المولى سبحانه: ﴿قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِيْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ﴾ (النمل: من الآية 65) ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ (الأنعام: من الآية 59) و﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 3)، ولا نستطيع نحن البشر أبدًا أن نحكم عليها، فيجب علينا أن ندَعَها جانبًا، وأن نتناول بالبحث ما أوتينا سبل بحثه، وأقصد بذلك الأفكار والآراء.
يأتي المهندس علي بعد ذلك ليناقش واحدةً من القضايا المثيرة للجدل في البرنامج، وهي قضية ولاية المرأة، ويستدل بالحديث الشريف "لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة" على أنه لا يجوز للمرأة رئاسة الدولة، قائلاً: "ولا يقولن أحدٌ إن الحادثة خاصة، فالأصل عموم اللفظ لا خصوص السبب" (3)، وهو يستند في ذلك إلى آراء مجموعة من العلماء على مدار التاريخ، ولكن ذلك ليس أبدًا موطنَ إجماع للعلماء.
فالدكتور يوسف القرضاوي يعلِّق على نفس الحديث في كتابه: (من فقه الدولة في الإسلام) متسائلاً: هل يوقف الحديث على عمومه أم يوقف به عند سبب وروده (أي عدم فلاح الفرس)؟!
ويجيب مؤكدًا أن القاعدة السابقة- التي استند إليها المهندس علي- "غير مجمع عليها"، مؤكدًا ضرورة مراعاة أسباب النزول، "وإلا حدث التخبُّط في الفهم ووقع سوء التفسير"، ويضيف: "ويؤكد هذا في هذا الحديث أنه لو أُخد على عمومه لعارض ظاهر القرآن"، مشيرًا إلى قصة بلقيس ملكة سبأ، ويضيف: "كما يؤكد صرف الحديث عن العموم الواقع الذي نشهده، وهو أن كثيرًا من النساء قد كنَّ لأوطانهن خيرًا من كثير من الرجال" لا يقف العلاَّمة المجدِّد عن هذا الحدِّ، بل إنه يؤكد أيضًا أن لفظة "ولوا أمرهم" تعني الخلافة قائلاً: "وهو ما لا يوجد اليوم" (4).
وينقل الدكتور محمد سليم العوَّا في كتابه القيِّم (النظام السياسي في الإسلام) الذي يحاور فيه د. برهان غليون عن بعض من الفقهاء المتقدمين قولهم بأن الحديث إخباريٌّ، أي أنه ليس نهيًا عن ولاية المرأة، وإنما هو تنبُّؤٌ من الرسول الكريم بأن الفرس لن يفلحوا، من دون أن تكون العلة في ذلك ولاية امرأة، إخبار كما في قوله تعالى ﴿غُلِبَتِ الرُّوْمُ﴾ (الروم: 2) (5).
نقطة ثالثة في هذا الأمر هي سؤال أطرحه: هل يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم رجلاً؟! إن تجربة الحضارة الإنسانية أثبتت لنا أن وجود الولاية في شخص واحد- بغض النظر عن دينه وجنسه- لا يؤدي إلى الفلاح؛ فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما يقولون؛ ولذا فنحن لا ننادي بسلطة مطلقة لرجل أو امرأة، وإنما بدولة مؤسسات، أو بعبارة أخرى: ندعو لأن "يتولى أمرنا" نخبةٌ منا، يختارهم الشعب عبر صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة؛ ليمثلوه في المؤسسات المختلفة التي تُدير الحكم، ولا ندعو لأن نولِّيَ أمرَنا رجلاً أو امرأةً؛ ندعو للالتزام بالقاعدة الكلية التي أقرَّها القرآن، والتي تختلف إجرائياتها من زمن لآخر، وهي ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 38) لا يولى رجلٌ أو إمرأةٌ بأعينهما.
قضية ولاية المؤسسات ووجود الدساتير التي لا بد من احترامها، تلك هي التي دفعت المفكر المستشار طارق البشري- الذي أراه أعلم أهل العصر من ذوي التوجه الإسلامي بمفهوم الدولة وبطبيعة القانون وأحوال الواقع، خاصةً في مصر- لأن يقول إنه لا مانع من أن يتولى أي شخص رئاسة الدولة؛ فالمطلوب هو إصلاح وتفعيل هياكل الحكم، وليس العمل للحيلولة دون وصول طرف أو آخر للكرسي؛ فمن يَصِل للكرسي- في الوضع الذي نبتغيه- لن يحكم منفردًا، ولن يكون صاحب سلطة بلا رقابة ولا قيود.
أعلم أن هذه القضايا خلافية، وهي ربما جديدة على الأمة، ولكن ذلك لأن الواقع اختلف، وطبيعة الدولة اختلفت، ومن ثم وجب التعامل معها بمنطق مختلف؛ لأننا- كما يقول البنا- "دعوة من الدعوات التجديدية لحياة الأمم والشعوب" (6)، ولأن شريعة الإسلام فيها متسع لذلك، فهي- كما يشرح البنا- تحدد الأهداف العليا، وتضع القواعد الأساسية، وتتناول المسائل الكلية، ولا تتورَّط في الجزئيات، وتدع بعد ذلك للحوادث الاجتماعية والتطورات الحيوية أن تفعل فعلها، وتتسع لها جميعًا لا تصطدم بشيء منها (7).
وأنا هنا أقدم رأيًا آخر غير ذلك الذي طرحه المهندس علي وطرحه برنامج الإخوان، أطرحه من منطلق إسلامي لا من منطلق علماني؛ فالإسلام مرجعيتي التي أعتزُّ بها تمامًا كما هي مرجعيته، وتمامًا كما هي مرجعية الإخوان جميعًا بلا شك، ومرجعية الغالبية من المصريين، أطرح الرأي المغاير لا تأثرًا بضغط العلمانيين، ولا سعيًا لاسترضائهم، ولا أطرحه خوفًا من بطش الأمن؛ فلعلَّ الأمن سيكون أهدأ حالاً كلما ابتعدنا عن مناطق التوافق المجتمعي، وسيكون أكثر عنفًا كلما استطعنا الوصول لعدد أكبر من المثقفين والمفكِّرين، وإنما أطرح هذا الرأي لسببين:
أولهما: هو أنني لا أرى في إتاحة مجال التنافس للجميع مع إعطاء الأمة حقِّها في الاختيار اقترابًا أكثر من مقاصد الشريعة، التي من بينها مقصدا العدل والمساواة، ومن بينها مقصدان آخران مهمان في هذا المجال: مقصد (إنصاف المرأة)، ومقصد (تقرير كرامة الإنسان وحقوقه، وخصوصًا الضعفاء) (8)، ولا شك أن الأقليات ضعيفة، وكذا المرأة، ومن ثم كان واجبًا علينا التقدم وإقرار حقوقهم من دون انتظار أن يطلبوها هم، فما بالنا وقد طلبوها؟!
ثم إنني- ثانيًا- لا أجد مبررًا للدخول في صدام مع المثقفين في المجتمع، طالما أن القضية خلافية، وطالما أن هناك من الشرع متسَعٌ يؤدي للاتفاق، وليس في ذلك عيبٌ؛ فالسعي لتجاوز الخلافات هو سعي محمود، طالما أنه لا يأتي على حساب الثوابت الشرعية.
وبعد، فإنني أعرض هذا الرأي باعتباره رأيًا صحيحًا، ولكنه ليس (الرأي الصحيح)؛ فالصواب المطلق والحق المطلق لا يعلمه إلا من قال ﴿وَاللهُ يَقُوْلُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِيْ السَّبِيْلَ﴾ (الأحزاب: من الآية 4)، ولكنني أعرضه حتى أزيل الشبهة عمن اتُّهِموا بـ"التفريط"، وحتى نناقش خلافاتنا الفكرية فكريًّا، فنرى أيهما أقرب للمقصد والمصلحة الشرعية، ونناقشهم بمنظور الصواب والأصوب، لا الحق والباطل، ونناقش الأفكار من دون أن نقدح بمن قالها، وتبقى الشورى بآلياتها- بدءًا من إعطاء المساحات الكافيه لطرح كل رأي ووصولاً إلى التصويت- هي الوسيلة التي لا بد للجميع من الاحتكام إليها حين السعي إلى قرار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
--------
(1) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، (رسالة دعوتنا).
(2) علي عبد الفتاح: الإسلام مرجعيتنا، موقع إخوان أون لاين: 27/10/2007.
(3) علي عبد الفتاح: الإسلام مرجعيتنا، موقع إخوان أون لاين: 27/10/2007.
(4) الدكتور يوسف القرضاوي: من فقه الدولة في الإسلام؛ ص 174، 175، طبعة دار الشروق 2001.
(5) د. برهان غليون، د. محمد سليم العوا: النظام السياسي الإسلامي، من سلسلة حوارات القرن الجديد، دار الفكر، 2005.
(6) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة دعوتنا في طور جديد.
(7) د. محمد عمارة: التجديد في المشروع الحضاري لحسن البنا؛ فصل في كتاب: المشروع الإصلاحي للإملم حسن البنا، تساؤلات قرن جديد، 2007، مركز الإعلام العربي.
(8) من المقاصد السبعة في كتاب: (كيف نتعامل مع القرآن العظيم) للدكتور يوسف القرضاوي، ص 73، طبعة دار الشروق 2005
Subscribe to:
Posts (Atom)