Wednesday, November 07, 2007
رد على مقالي
شرفني الدكتور محمد البلتاجي بأن كتب هذا الرد على مقالي الذي سبق أن نشره موقع إخوان أون لاين
والحقيقة أنني كنت أنوي أن أضع بعض الإضافات على المدونة، كتلك الفقرة الإضافيه التي اقترح الأستاذ فهمي هويدي أن أضيفها، ولكن اقتراحه وصلني متأخرا بعد أن كنت نشرت المقال
ولكني رأيت أنه من الأولى أن أنشر مقال الدكتور البلتاجي غير مصحوبا بتعليق مني، ثم أتبع ذلك بتعقيب عليه
وهو في مجمله مقال مفيد، اتفق مع بعض ما جاء فيه وأختلف مع بعضه، وهو ما سأوضحه في حينه
هذه هي وصلة المقال على الموقع
وهذا هو المقال
بقلم: أ. د. محمد البلتاجي
قرأتُ مقال أخي الحبيب إبراهيم الهضيبي "الإسلام مرجعيتنا جميعًا"، فأسعدني بأدبه الوافر، وفكرته الواضحة، وضبطه وحسن تعبيره عمَّا يريد.. ومَن شابه آباءه الكرام فقد أحسن.. رحم الله آل الهضيبي وجزاهم عنَّا وعن دعوتنا خير الجزاء.
أتفق مع أخي في كثيرٍ مما ذكره، ومنه أن أخي الحبيب م/ علي عبد الفتاح كان كعهدنا به في غيرته وحماسته ودفاعه- عمَّا نؤمن به جميعًا- لكنه دهس عن (غير قصد) مشاعر إخوانٍ كرامٍ يتعبدون معه في محراب مرجعية الإسلام وحاكمية الشريعة، كما بدا وكأنه محتكرٌ لمفاهيم الإسلام الصحيحة ولثوابت الدعوة وأصولها، وأشار إلى رجالٍ كرامٍ (كم رأينا منهم تعاطفًا مع قضايانا العادلة واقترابًا من مواقفنا) فبدا كأنه لهم مُخوِّن ومتهم.. وما أظنه قصد إلى ذلك، لكنها الحماسة والغيرة أدَّت به إلى ما لا نريد.
ورغم اتفاقي (سعيدًا) مع أخي إبراهيم في كثيرٍ مما طرحه، لكني أخالفه في حديثه عن:
1- ولاية المؤسسات واختلاف طبيعة الدولة الحديثة التي حلَّت محل حكم الأفراد فغيَّرت من أحكامها.. عن أي دولةٍ تتحدث؟! عن مصر أم باكستان أم ليبيا وتونس والجزائر أم الممالك الأردنية والمغربية والسعودية، بل أقول أين هذا حتى من واقع غيرنا لنبني على واقعه أحلامًا لنا؟.. يا أخي، رمزية رئيس الدولة وصلاحياته لا تزال حتى في الدستور الأمريكي تثبت محوريته في واقع أمته.
2- تفسير الحديث "لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة..." بمعنى الخلافة وليست الدولة الحديثة.. الواقع يقول كما ذكر د. ضياء الدين الريس ود. عبد الرازق السنهوري أن الدولة القطرية الحديثة حلَّت في استقلاليتها وصلاحياتها محل دولة الخلافة، فانتقلت إليها أحكامها، لكنَّ العجيبَ أني أجد حتى المعادين والرافضين لفكرة الخلافة يلجأون لهذا التفسير في الحوار معهم للهروب من التعامل مع النص.
3- الحديث عن (إنصاف المرأة وكرامة وحقوق الضعفاء ومنهم الأقليات) لا ينطبق بالضرورة على منصب رئيس الدولة، فالحاجة إلى الإنصاف وصون الحقوق في شتى مناحي الحياة حاجة حقيقية، لكن النساء والأقباط في مجموعهم غير منشغلين بالمنافسة على منصب رئيس الدولة، فهم في حاجةٍ لإنصاف وصون حقوق اجتماعية ووظيفية وسياسية ومادية وتعليمية وغيرها.. والأمر بخصوص "رئيس الدولة" لا يعدو ما قاله جمال أسعد عبد الملاك: بُعدًا نفسيًّا لماذا تضايقني به؟
ولا يعني خلافي مع أخي إبراهيم فيما ذكره أني أتبنى في القضية موقفًا مخالفًا تمامًا له، لكني أنظر للموضوع من زاويةٍ أخرى:-
أ- قواعد الحكم في الإسلام كما ذكرها إمامنا البنا، وكما هي وفق نصوص المنهج الإسلامي تقوم على (مسئولية الحاكم- وحدة الأمة- احترام إرادة الأمة)، فأنا مشغولٌ بموقفٍ من الترشيح يحترم إرادة الأمة ولا يكبلها، ويجعل عصمتها في يدها تجيء بمَن تشاء، وتخلع مَن تشاء وقتما تشاء.. نعم إنَّ مشروعنا الإسلامي لا تقوم به إلا حكومةٌ إسلاميةٌ بحق (والحكومة الإسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعالميه ولا بأسَ بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة).
هذا هو مشروعنا الذي ندعو إليه ونتبناه (وندعو الأمة الإسلامية إلى تبنيه حتى لو اختارت غيرنا)، ونحكم به (إن اختارتنا الأمة)، لكن الفارق الكبير بين حقنا هذا وبين أن نفرض هذا المشروع لنصادر إرادة الأمة في المستقبل ولو من حيث الشكل بتقييدها.. وهذا المنظور يتوافق مع طبيعة مشروعنا الذي يقوم على قناعة المجتمع به وتبنيه له.. فمشروعنا يتجه للقاعدة قبل القمة، والمجتمع قبل الحكم، ومن ثَمَّ فمنهاجنا يرفض فرض الأمر الواقع (ولو كان صحيحًا) فلا يرضى بالانقلاب العسكري ولا الانقلاب الدستوري، كما يرفض الوثوب إلى السلطة في غفلةٍ من الأمة (ولو كان بانتخابات) ولا بتعديلٍ دستوري في غفلةٍ من الأمة (ولو باستفتاءٍ صحيح).. لكنه يحترم إرادة الأمة في كل وقتٍ لتختار مَن تشاء، وتخلع من تشاء دون مصادرةٍ لإرادتها.
ونحن نثق في رشد الأمة وصحة اختيارها ولا نخافه.. بل مطمئنون كل الاطمئنان إلى أنها ستُعبِّر عن هويتها وحضارتها، وستتجاوب مع مشروعنا وفكرتنا.. إن مشكلتنا ليست الإرادة الحرة للأمة، لكن مشكلتنا هي الاستبداد والقهر والتسلط والقمع الذي يمنع الأمة أن تسمع لنا، وأن تفهمنا على حقيقتنا دون عوائق أو تهديدات أو تشويهات.
مشكلتنا هي المصادرة على إرادة الأمة بحظر الممارسة السياسية على أساس الدين، وبوضع شروط لإقصاء الأمة عن المشاركة في المسئولية واحتكار هذا لصالح أفراد، بل نحن واثقون أن أقباط الأمة بانتمائهم الحضاري للإسلام سيتجاوبون مع مشروعنا، وسيتفهمون أن رمزية مهام رئيس الدولة حين تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، بما في ذلك من رعايةٍ للدين وإنفاذ أحكامه، ستجعل من مطالبتنا لهم بحمل أعباء هذه المسئولية (التي لا تتوافق مع عقيدتهم) ظلمًا لا نرضاه ولا يرضونه.
أكرر لسنا في حاجةٍ إلى مصادرة إرادة الأمة وحقها في أن تختار مَن تشاء وقتما تشاء.
ب- أهمية التوافق المجتمعي (فيما لا يأتي على حساب الثوابت الشرعية)، والذي من أولوياته إصلاح الحكم، وإطلاق الحريات، وصون كرامة الإنسان، والتأكيد على (مسئولية الحاكم- وحدة الأمة- احترام إرادة الأمة).
وهنا أرى أن كثيرًا ممن أبدوا وجهة نظر مغايرة (في نقاط محدودة) لبرنامج حزبنا المقترح مخلصون، وكان اختلافهم معنا اجتهادًا في الرأي انطلاقًا من رؤيتهم أن ما يطرحونه ليس على حساب الثوابت قطعية الثبوت والدلالة وفيها سعة شرعية، وسعيًا منهم ألا نُعطي فرصةً للمتربصين بمشروع الإصلاح السياسي العام (الذي توافق المخلصون معنا على أجندته) ولا المتربصين بمشروعنا الإسلامي (الذي كثيرًا ما دافع المخلصون عن حقنا في عرضه على الشعب- وإن اختلفوا معنا في بعض نقاطه).
وأنا هنا أقصد أساتذةً كرامًا من الإسلاميين وحتى من غير الإسلاميين أمثال د. عمرو الشوبكي، د. ضياء رشوان، د. عمرو هاشم ربيع، وحتى د. خليل العناني الذي كان لاذعًا ومبالغًا وهو يتحدث عن مراهقة الإخوان وتثوير الإخوان.
وإن كنتُ لا أغفل أن آخرين وهم ينتقدوننا كانوا أصحاب مشاريع (متشابكة مع أصحاب مصالح في الداخل وأصحاب هيمنة في الخارج) فدعوا لتجييش الجيوش للقضاء علينا وتنادوا صراحةً "انتهزوا الفرصة" رغبةً في إقصاء المنهج الإسلامي ليس عن الساحة السياسية والحكم فحسب، بل عن كل جوانب الحياة؛ فهم يرون حتمية الحل الأمريكي بحلوه ومره، بخيره وشره، ولا يقبلون بتديين السياسة ولا حتى بتديين الأخلاق والآداب العامة.
أخيرًا أحبتي:
هي أفكار في حاجةٍ إلى المناقشة في أجواءٍ من الثقة والصراحة.. لكنَّ عصا الأمن الغليظة وأجواء الاستبداد والقمع التي تعيشها مصر لم تتح لنا فرصةً آمنةً للقاء والحوار في أجواءٍ طبيعيةٍ من جانب، وشغلتنا بردود الأفعال حول (الاعتقالات والمحاكمات العسكرية والفصل للطلاب والتشريد للعمال) من جانبٍ آخر فامتنع الحوار المباشر فيما بيننا.
فظننا أن مواقفنا متباعدة رغم أننا جميعًا لم نُبدِّل ولم نُغيِّر ولن..حقًّا.. ما أحوجنا للحوار الداخلي قبل الخارجي بأدبياتنا الرفيعة.. وما أحوجنا للحوار الخارجي دون تبادل اتهاماتٍ لا بالجمود ولا بالتخوين.
وأكثر ما يسعدنا أن نشارك أجيالنا الشابة بمثل هذا الأدب والتوقير للسابقين، وهذا الوضوح والرسوخ الذي كتب به إبراهيم الهضيبي.. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10).
________________________
وأنا لا يسعني في النهاية ألا أن أشكر للأستاذ الكريم مجاملاته الرقيقة التي لا أظنني أستحق معظمها، وأدعو الله أن يستمر هذا الحوار الراقي في ظل تجرد وإخلاص وسعي لما فيه مصلحة بلادنا وفهم أعمق لديننا ورسالتنا
والحمد لله رب العالمين
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
1 comment:
الحمد لله
أول تعليق
يا سلااااااااااااااااام
أشكرك يا أخي إنك نشرت الرأي الذي يحتوي على بعض النقاط المخالفة لرأيك ،
وأنا أرى أن في ذلك خطوة جادة لتفعيل النقد البناء الذي يعود بالخير إن شاء الله علينا وعلى جماعتنا
تحياتي
Post a Comment