Wednesday, November 14, 2007
Behind Closed Doors, my article in the Guardian
This is the link to an article I've written for the Guardian, commenting on the ongoing military tribunal for Muslim Brotherhood leaders, and the deteriorating human rights' conditions in Egypt
دي وصلة لمقالة كتبتها لجريدة الجارديان تعليقا على المحاكمة العسكرية لقبادات الإخوان المسلمين، وعلى الأحوال السياسية المتردية في مصر
Sunday, November 11, 2007
هكذا يكون الحوار، مقالي على إخوان أون لاين
هذه وصلة لمقالي على إخوان أون لاين، والذي أعقب فيه على مقال كان قد كتبه الدكتور محمد البلتاجي تعقيبا على مقال سابق كنت قد كتبته
ويشكر لإدارة الموقع نشرها للمقال، وإن كانت لم تظهرة بالشكل الذي ارغبه، ولكني أستطيع أن أتفهم ذلك
وهذا هو نص المقال
بقلم: إبراهيم الهضيبي
لا تستطيع كلماتٌ أن تعبر عن سعادتي بالردِّ القيِّم الذي كتبه أستاذي الدكتور محمد البلتاجي تحت عنوان: (المرجعية الإسلامية تقتضي أن تكون الأمة مصدر السلطات) على مقال سابق لي، نَشَره موقع (إخوان أون لاين) تحت عنوان: (الإسلام مرجعيتنا جميعًا).
ولسعادتي هذه شقَّان: شق شخصي؛ سببه روح الحب والمودة التي أبداها الأستاذ الكريم في مقاله، وشقٌّ موضوعي؛ سببه رقيُّ مستوى النقاش وموضوعيتُه، الذي أتمنَّى أن تستمرَّ لتعبِّر بصدق عن روح الحوار والشورى كما يجب أن تسود؛ فالمقال يوضح ويناقش بموضوعية نقاط الخلاف فيما بيننا.
ويُشكر لإدارة الموقع إتاحتُها المساحةَ لمثل هذا الحوار واحتضانُها لتلك التجربة الحوارية التي هي تراثٌ أصيلٌ لجماعة الإخوان، والتي أتمنَّى أن تستمر على نفس المنوال؛ لثقتي أنه مع كل مقال يُنشَر تزداد الرؤية عمقًا عند جميع الأطراف؛ وهو ما يؤثِّر إيجابًا على الحركة الإسلامية، ومن ثم على حركة الإصلاح الوطني في بلادنا.
والحقيقة أن ما شجَّعني على التعقيب هو ذلك الأمر، إضافةً إلى الكلمات المستنيرة التي ختم بها الدكتور البلتاجي مقاله؛ حيث قال: "ما أحوجَنا إلى الحوار الداخلي قبل الخارجي، بأدبياتنا الرفيعة!! وما أحوجَنا إلى الحوار الخارجي دون تبادل اتهامات بالجمود ولا بالتخوين!!" وتلك كلمات على بساطتها فهي تستحق أن توضع ميثاقًا للحوار؛ بحيث نخرج من دائرة (الشخصنة)، ونناقش الأفكار بموضوعية بعيدًا عن قائلها، ومن دون اتهام لنيته أو سوء ظن به؛ بحيث نجسِّد بصدق ما قاله البنا "ويعذر بعضُنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
ثم إن إشارة الدكتور البلتاجي لأهمية مشاركة الشباب في الحوار لهي تجسيدٌ حقيقيٌّ لمنهج طالما التزمته الجماعة منذ نشأتها؛ إذ إن الإمام الشهيد أنشأ الجماعة وهو في سنٍّ أصغر من سنِّي بعامين، وفضيلة المرشد الحالي كان قائدًا لكتائب الدفاع عن أرض الأمة وعرضها في فلسطين وهو يصغرني بأعوام أربعة، ثم إن معظم حوارات الإمام البنا وخطاباته في رسائله كانت للشباب، وكذا كان للشباب دورٌ فعَّالٌ في كل اللحظات المهمة في تاريخ الجماعة، لعل آخرها المشاركة في مظاهرات الإصلاح، وانتخابات مجلس الشعب، كل هذا يُسهم في إنضاج الفكر؛ بحيث تصبح المشاركة في الحوار الدائر حول البرنامج السياسي- الذي يمثِّل لحظةً هامةً بل تاريخية أخرى في تاريخ الجماعة- أمرًا طبيعيًّا إن لم يكن ضروريًّا.
ويطرح الدكتور البلتاجي في مقاله القيِّم مجموعةً من النقاط أتفق مع بعضها وأختلف مع البعض الآخر؛ فأما أهم ما أتفق معه فهو تلك الفقرة التي يتحدث فيها عن قواعد الحكم في الإسلام، والتي يختمها بقوله: "إن المشكلة ليست في الإرادة الحرة للأمة، ولكن مشكلتنا هي الاستبداد والقهر والتسلط والقمع الذي يمنع الأمة أن تسمع لنا، وأن تفهمنا على حقيقتنا دون عوائق أو تهديدات أو تشويهات".
وأظنني لا أجترئ على كلام الدكتور البلتاجي، ولا ألوي عنقه إذا قلت إن تلك الكلمات تعني أنه يتفق معي في أن معركة الإسلام الحقيقية الآن هي معركة إيجاد الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة فيها، وليس العكس كما يظن البعض أو يردد؛ بسبب سوء فهمهم لنا أحيانًا، وبسبب الرغبة في ترويع الناس من مشروعنا الإصلاحي في أحيان أخرى.
ويقودني ذلك لنقطة أختلف فيها مع الدكتور البلتاجي، وهي أنني أرى أننا في سعينا هذا لا بد أن نؤكد أن للجميع حقوقًا متساويةً، فلا يمكن لنا أن نفترض أن أقباط الأمة "سيتفهَّمون أن رمزية مهام رئيس الدولة حين تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، بما في ذلك رعاية الدين وإنفاذ أحكامه، ستجعل مطالبتنا لهم بحمل أعباء هذه المسئولية- التي لا تتوافق مع عقيدتهم- ظلمًا لا نرضاه ولا يرضونه"، ثم نبني على ذلك قرارًا بمنعهم من الترشح للرئاسة، فقد يكون لبعض الأقباط، تمامًا كما قد يكون لبعض المسلمين، مشروعٌ سياسيٌّ مختلفٌ، ولا يحق لنا أن نحجر عليهم في هذا الأمر، طالما أن الخيار في النهاية للأمة، التي هي مصدر السلطات كما سبق وأشرت.
وأريد أن أكون واضحًا في تلك النقطة؛ فمن الطبيعي في أي انتخابات أن يختار كل ناخب المرشح الأقرب لرؤيته وبرنامجه، وبالتالي فمن الطبيعي أن أنتخب- وينتخب الدكتور البلتاجي وغيرنا من الإخوان- المرشح الإسلامي، أو أقرب المرشحين للمشروع الإصلاحي الذي نحمله، وذلك حق مكفول لا يحق لأحد أن يجادلَنا فيه، ولكن من حق أصحاب المشروع المخالف كذلك أن يرشِّحوا أنفسهم؛ فالقبطي إذا رشح نفسه فهو إما ارتضى أن ينفذ برنامجًا إسلاميًّا (إن كان من أبناء المشروع الإسلامي)، وإما اختار مشروعًا آخر (كما هو الحال ربما مع غيره من المسلمين الذين لا يختارون المشروع الإسلامي، والذين يسمح لهم برنامج الإخوان بالترشح)، وفي كلتا الحالتين فذلك حقه، وللشعب الحق في أن يختار من يشاء.
فإذا اختار الشعب خيارًا غير التيار الإسلامي- وهو الأمر الذي يثق الدكتور البلتاجي في عدم حدوثه لانحياز الأغلبية من الشعب المصري للمشروع الإسلامي- فإن هذا يعني أن أفكارنا لم تقنع الناس بالشكل الكافي، وبالتالي فإن المطلوب هو تحديدًا ما تحدث عنه الدكتور البلتاجي حين قال: "مشروعنا يتجه للقاعدة قبل القمة، والمجتمع قبل الحكومة"، المطلوب أن يكون التفاعل مع آليات الديمقراطية والحوار لإقناع الناس بمشروعنا، لا سدّ الطريق على مشروعات أخرى؛ بحيث لا يبقى بديلاً لمشروعنا، وإلا كنا مثل النظام الحالي الذي يصفه الدكتور البلتاجي بقوله: إنه يضع "شروطًا للإقصاء".
ويحمل كلام الدكتور البلتاجي افتراضًا آخر أراه في غير محله، وهو أن المسلم بالضرورة إن انتُخب رئيسًا فإنه سيحافظ على ثوابت الأمة، والواقع المشاهَد يقول خلاف ذلك؛ فكل رؤساء دول المسلمين هم من المسلمين، ومع ذلك فلا قرارات الحرب تراعي الرؤية الشرعية، فضلاً عن رعايتها لمصالح الأمة، ولا ثوابت الأمة يتم الحفاظ عليها، ولا المشروعات الإصلاحية الإسلامية يتم أخذها بعين الاعتبار.
خلاصة هذا القول والواقع أنه ليس كل مسلم يحافظ على الثوابت، ولا كل غير مسلم يدهسها، وبالتالي فإن الرهان على شخص واحد للحفاظ على ثوابت الأمة هو رهان خاسر، والحديث عن المؤسسات يجعل الأمر في يد الأمة لا في يد شخص، وبالتالي يبقى لنا بعضٌ من ميراث النبوة، أو العصمة من الخطأ لما في قول الرسول "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
نقطة أخرى متعلقة بولاية المؤسسات، يتساءل الدكتور البلتاجي عما إذا كانت مصر دولة مؤسسات؟! وأقول إن مصر بشكلها الحالي دولة فرد واحد بلا شك؛ فالرئيس له صلاحيات مطلقة (أو تكاد تكون كذلك حتى أكون دقيقًا)، ولكن السؤال هو: هل رؤيتنا للنظام السياسي التي يعرضها الحزب تفترض الأمر ذاته؟ إننا نعرض في البرنامج رؤيةً لنظام نسعى لإصلاحه لكي لا يبقى بهذه الصورة، وهذا الإصلاح إنما يكون بترسيخ المؤسسية، وقد وصلني تعليق على مقالي السابق من الأستاذ فهمي هويدي، أضاف فيه فقرةً لموضوع حكم المؤسسات كنت أتمنى إضافتها للمقال، ولكن للأسف وصلتي بعد نشره، يقول فيها: "ولا بد أن نلاحظ هنا أن القرآن حين تحدث عن قيادة الأمة لم يستخدم صيغة المفرد وإنما تحدث دائمًا عن جماعة أو فريق؛ فلم يذكر ولي الأمر في أي نص قرآني، وإنما الإشارة دائمًا إلى أولي الأمر، حتى قيل في الأثر: "إن تصرف الفرد في المجموع ممنوع".
فإذا كان هذا هو النظام الذي نرغبه ونسعى إليه- وهو كذلك من دون شك- فإننا عندما نعرض التفصيلات فإننا لا بد وأن نعرضها في ضوء هذه الرؤية القائمة على المؤسسة، وهو ما يجرُّني للحديث عن آخر نقطة أناقشها، وهي تلك المتعلقة بتفسير الحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"؛ حيث يرى الدكتور البلتاجي- نقلاً عن أساتذة كبار هم د. ضياء الدين الريس، ود. عبد الرازق السنهوري- أن "الدولة القطرية حلَّت في استقلاليتها وصلاحيتها محل دولة الخلافة".
وأقف هنا عند نقاط ثلاث:
فأما الأولى فهي أن رؤية الدولة جزء من رؤية الواقع المرتبطة بالزمان، والأساتذة العظماء الذين سبقت الإشارة إليهم من زمان غير زماننا، وبالتالي فأخْذ كلامهم من زمانهم وإسقاطه على زماننا فيه ظلم شديد لهم، ثم إن المستشار طارق البشري- وأظن الدكتور البلتاجي يتفق معي في كونه أعلم أهل العصر بهذه الأمور- يرى خلاف ذلك.
وأما النقطة الثانية فهي أن تلك المناقشة تتجاوز نقاطًا طرحتها في المقال السابق حول مفهوم الحديث والذي يوقفه العلامة القرضاوي، كغيره من الفقهاء المتقدمين، الذين أشار إليهم الدكتور سليم العوا في كتابه القيم (النظام السياسي الإسلامي)، يوقفونه عند سبب وروده، ويجعلونه حديثًا إخباريًّا، إضافة إلى أنه يأتي بمعنى الولاية المطلقة التي لا مكان لها لرجل أو امرأة في دولة تقوم على المؤسسات.
وأما النقطة الثالثة التي وَدِدتُّ الإشارة إليها فهي موقع دولة الخلافة من هذا كله؛ فأنا أرى فيما يقوله الدكتور البلتاجي عن استبدال الدولة القطرية بدولة الخلافة بُعْدًا عن مفهوم (الأمة الواحدة) الذي يتحدث عنه القرآن، والذي يمثل أحد ثابتَين للحركة الإسلامية ثانيهما إقامة الشريعة، وتلك (الأمة) لا بد أن توجد، ونحن نتعبَّد بالسعي لإيجادها، وإن كانت هي الأخرى لا تقوم بالضرورة على (ولي أمر) له سلطات كبيرة، وإنما كذلك على المؤسسات.
ولعل ما طرحه الدكتور محمد عمارة قبل سنوات عن كون منظمة المؤتمر الإسلامي يمكن تطويرها وتفعيلها لتصبح نموذجًا معاصرًا لوحدة المسلمين هو كلامٌ يستحق التأمل؛ فهو بذلك يتخطَّى أزمة الدولة القومية مع الخلافة، ويوجد آليةً أكثر مؤسسيةً للحكم، وذلك كما سبق أقرب للمقاصد الشرعية.
أردت بذلك أن أشير إلى أن الكلام عن دولة المؤسسات ليس هروبًا من موضوع تولِّي المرأة رئاسة الدولة، وليس حلاًّ جزئيًّا لهذا الأزمة، وإنما هو حلٌ شاملٌ يحمل رؤيةً أراها أقرب للمقاصد من الحديث عن ولاية رجل أو امرأة.
وأنا هنا حين أنادي بعدم منع ترشيح القبطي والمرأة للرئاسة، فإنني لا أنسلخ عن مدرسة الإخوان، بل أنحاز لبديل من بين بدائلها الداخلية تبنَّاه أحد الورثة الشرعيين لمدرسة الإصلاح والتجديد ولأفكار الإمام البنا، وهو العلاَّمة الدكتور يوسف القرضاوي، وتبنَّاه معه مجموعة محترمة من المفكِّرين والمثقَّفين من أبناء ذات المدرسة، وكذا تبنَّاه عدد من أبناء التنظيم، وأرى أن هذا الرأي يدخل ضمن ما يصفه البلتاجي بأنه "ليس على حساب الثوابت قطعية الثبوت والدلالة، وفيها سعة شرعية، وسعيًا (ممن يطرحه) ألا نعطي الفرصة للمتربِّصين بمشروع الإصلاح الإسلامي العام ولا بمشروعنا الإسلامي".
تلك نقاط أطرحها للحوار، عالمًا أنها ليست "الجواب النهائي" لما هو مطروح للنقاش، وليست- بطبيعة الحال- كلمة الختام التي تحسم التباين في وجهات النظر، وإنما أطرحها لتضيف وجهة نظر ورؤيةً في حوار آمل أن يستمرَّ بذات الروح الإيجابية، ولكن على يد أشخاص آخرين.
ذلك أن استمرار النقاش بين نفس الأفراد يُضفي عليه نوعًا من السجال والشخصنة، وهو ما لا أريده لا أنا ولا أساتذتي الذين ناقشتهم بهذه الكلمات، ثم إن القارئ لا يعرف مدى الحبِّ والودِّ الذي يحمله كاتبُ هذه الكلمات لأساتذته الذين اختلف معهم وناقشهم، سواء المهندس علي أو الدكتور البلتاجي، وبالتالي فقد يُظَنُّ أن الموضوع سجالٌ شخصيٌّ، فنخرج به عن الموضوعية الحوارية التي نسعى إليها جميعًا تطبيقًا لقيمة الشورى؛ ولذلك فإن إشراك آخرين بآرائهم التي تمثل زوايا أخرى للنظر مهم بقدر أهمية هذا الحوار، واستعداد الجميع للتخلي عن المواقف السابقة (الصحيحة والنافعة) بحثًا عن (الأصوب) و(الأنفع) هو مفتاحُ النجاح لهذا الحوار، الذي أرى في استمراره مفخرةً حقيقيةً للجماعة، ونفعًا كبيرًا للدعوة، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
Wednesday, November 07, 2007
رد على مقالي
شرفني الدكتور محمد البلتاجي بأن كتب هذا الرد على مقالي الذي سبق أن نشره موقع إخوان أون لاين
والحقيقة أنني كنت أنوي أن أضع بعض الإضافات على المدونة، كتلك الفقرة الإضافيه التي اقترح الأستاذ فهمي هويدي أن أضيفها، ولكن اقتراحه وصلني متأخرا بعد أن كنت نشرت المقال
ولكني رأيت أنه من الأولى أن أنشر مقال الدكتور البلتاجي غير مصحوبا بتعليق مني، ثم أتبع ذلك بتعقيب عليه
وهو في مجمله مقال مفيد، اتفق مع بعض ما جاء فيه وأختلف مع بعضه، وهو ما سأوضحه في حينه
هذه هي وصلة المقال على الموقع
وهذا هو المقال
بقلم: أ. د. محمد البلتاجي
قرأتُ مقال أخي الحبيب إبراهيم الهضيبي "الإسلام مرجعيتنا جميعًا"، فأسعدني بأدبه الوافر، وفكرته الواضحة، وضبطه وحسن تعبيره عمَّا يريد.. ومَن شابه آباءه الكرام فقد أحسن.. رحم الله آل الهضيبي وجزاهم عنَّا وعن دعوتنا خير الجزاء.
أتفق مع أخي في كثيرٍ مما ذكره، ومنه أن أخي الحبيب م/ علي عبد الفتاح كان كعهدنا به في غيرته وحماسته ودفاعه- عمَّا نؤمن به جميعًا- لكنه دهس عن (غير قصد) مشاعر إخوانٍ كرامٍ يتعبدون معه في محراب مرجعية الإسلام وحاكمية الشريعة، كما بدا وكأنه محتكرٌ لمفاهيم الإسلام الصحيحة ولثوابت الدعوة وأصولها، وأشار إلى رجالٍ كرامٍ (كم رأينا منهم تعاطفًا مع قضايانا العادلة واقترابًا من مواقفنا) فبدا كأنه لهم مُخوِّن ومتهم.. وما أظنه قصد إلى ذلك، لكنها الحماسة والغيرة أدَّت به إلى ما لا نريد.
ورغم اتفاقي (سعيدًا) مع أخي إبراهيم في كثيرٍ مما طرحه، لكني أخالفه في حديثه عن:
1- ولاية المؤسسات واختلاف طبيعة الدولة الحديثة التي حلَّت محل حكم الأفراد فغيَّرت من أحكامها.. عن أي دولةٍ تتحدث؟! عن مصر أم باكستان أم ليبيا وتونس والجزائر أم الممالك الأردنية والمغربية والسعودية، بل أقول أين هذا حتى من واقع غيرنا لنبني على واقعه أحلامًا لنا؟.. يا أخي، رمزية رئيس الدولة وصلاحياته لا تزال حتى في الدستور الأمريكي تثبت محوريته في واقع أمته.
2- تفسير الحديث "لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة..." بمعنى الخلافة وليست الدولة الحديثة.. الواقع يقول كما ذكر د. ضياء الدين الريس ود. عبد الرازق السنهوري أن الدولة القطرية الحديثة حلَّت في استقلاليتها وصلاحياتها محل دولة الخلافة، فانتقلت إليها أحكامها، لكنَّ العجيبَ أني أجد حتى المعادين والرافضين لفكرة الخلافة يلجأون لهذا التفسير في الحوار معهم للهروب من التعامل مع النص.
3- الحديث عن (إنصاف المرأة وكرامة وحقوق الضعفاء ومنهم الأقليات) لا ينطبق بالضرورة على منصب رئيس الدولة، فالحاجة إلى الإنصاف وصون الحقوق في شتى مناحي الحياة حاجة حقيقية، لكن النساء والأقباط في مجموعهم غير منشغلين بالمنافسة على منصب رئيس الدولة، فهم في حاجةٍ لإنصاف وصون حقوق اجتماعية ووظيفية وسياسية ومادية وتعليمية وغيرها.. والأمر بخصوص "رئيس الدولة" لا يعدو ما قاله جمال أسعد عبد الملاك: بُعدًا نفسيًّا لماذا تضايقني به؟
ولا يعني خلافي مع أخي إبراهيم فيما ذكره أني أتبنى في القضية موقفًا مخالفًا تمامًا له، لكني أنظر للموضوع من زاويةٍ أخرى:-
أ- قواعد الحكم في الإسلام كما ذكرها إمامنا البنا، وكما هي وفق نصوص المنهج الإسلامي تقوم على (مسئولية الحاكم- وحدة الأمة- احترام إرادة الأمة)، فأنا مشغولٌ بموقفٍ من الترشيح يحترم إرادة الأمة ولا يكبلها، ويجعل عصمتها في يدها تجيء بمَن تشاء، وتخلع مَن تشاء وقتما تشاء.. نعم إنَّ مشروعنا الإسلامي لا تقوم به إلا حكومةٌ إسلاميةٌ بحق (والحكومة الإسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعالميه ولا بأسَ بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة).
هذا هو مشروعنا الذي ندعو إليه ونتبناه (وندعو الأمة الإسلامية إلى تبنيه حتى لو اختارت غيرنا)، ونحكم به (إن اختارتنا الأمة)، لكن الفارق الكبير بين حقنا هذا وبين أن نفرض هذا المشروع لنصادر إرادة الأمة في المستقبل ولو من حيث الشكل بتقييدها.. وهذا المنظور يتوافق مع طبيعة مشروعنا الذي يقوم على قناعة المجتمع به وتبنيه له.. فمشروعنا يتجه للقاعدة قبل القمة، والمجتمع قبل الحكم، ومن ثَمَّ فمنهاجنا يرفض فرض الأمر الواقع (ولو كان صحيحًا) فلا يرضى بالانقلاب العسكري ولا الانقلاب الدستوري، كما يرفض الوثوب إلى السلطة في غفلةٍ من الأمة (ولو كان بانتخابات) ولا بتعديلٍ دستوري في غفلةٍ من الأمة (ولو باستفتاءٍ صحيح).. لكنه يحترم إرادة الأمة في كل وقتٍ لتختار مَن تشاء، وتخلع من تشاء دون مصادرةٍ لإرادتها.
ونحن نثق في رشد الأمة وصحة اختيارها ولا نخافه.. بل مطمئنون كل الاطمئنان إلى أنها ستُعبِّر عن هويتها وحضارتها، وستتجاوب مع مشروعنا وفكرتنا.. إن مشكلتنا ليست الإرادة الحرة للأمة، لكن مشكلتنا هي الاستبداد والقهر والتسلط والقمع الذي يمنع الأمة أن تسمع لنا، وأن تفهمنا على حقيقتنا دون عوائق أو تهديدات أو تشويهات.
مشكلتنا هي المصادرة على إرادة الأمة بحظر الممارسة السياسية على أساس الدين، وبوضع شروط لإقصاء الأمة عن المشاركة في المسئولية واحتكار هذا لصالح أفراد، بل نحن واثقون أن أقباط الأمة بانتمائهم الحضاري للإسلام سيتجاوبون مع مشروعنا، وسيتفهمون أن رمزية مهام رئيس الدولة حين تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، بما في ذلك من رعايةٍ للدين وإنفاذ أحكامه، ستجعل من مطالبتنا لهم بحمل أعباء هذه المسئولية (التي لا تتوافق مع عقيدتهم) ظلمًا لا نرضاه ولا يرضونه.
أكرر لسنا في حاجةٍ إلى مصادرة إرادة الأمة وحقها في أن تختار مَن تشاء وقتما تشاء.
ب- أهمية التوافق المجتمعي (فيما لا يأتي على حساب الثوابت الشرعية)، والذي من أولوياته إصلاح الحكم، وإطلاق الحريات، وصون كرامة الإنسان، والتأكيد على (مسئولية الحاكم- وحدة الأمة- احترام إرادة الأمة).
وهنا أرى أن كثيرًا ممن أبدوا وجهة نظر مغايرة (في نقاط محدودة) لبرنامج حزبنا المقترح مخلصون، وكان اختلافهم معنا اجتهادًا في الرأي انطلاقًا من رؤيتهم أن ما يطرحونه ليس على حساب الثوابت قطعية الثبوت والدلالة وفيها سعة شرعية، وسعيًا منهم ألا نُعطي فرصةً للمتربصين بمشروع الإصلاح السياسي العام (الذي توافق المخلصون معنا على أجندته) ولا المتربصين بمشروعنا الإسلامي (الذي كثيرًا ما دافع المخلصون عن حقنا في عرضه على الشعب- وإن اختلفوا معنا في بعض نقاطه).
وأنا هنا أقصد أساتذةً كرامًا من الإسلاميين وحتى من غير الإسلاميين أمثال د. عمرو الشوبكي، د. ضياء رشوان، د. عمرو هاشم ربيع، وحتى د. خليل العناني الذي كان لاذعًا ومبالغًا وهو يتحدث عن مراهقة الإخوان وتثوير الإخوان.
وإن كنتُ لا أغفل أن آخرين وهم ينتقدوننا كانوا أصحاب مشاريع (متشابكة مع أصحاب مصالح في الداخل وأصحاب هيمنة في الخارج) فدعوا لتجييش الجيوش للقضاء علينا وتنادوا صراحةً "انتهزوا الفرصة" رغبةً في إقصاء المنهج الإسلامي ليس عن الساحة السياسية والحكم فحسب، بل عن كل جوانب الحياة؛ فهم يرون حتمية الحل الأمريكي بحلوه ومره، بخيره وشره، ولا يقبلون بتديين السياسة ولا حتى بتديين الأخلاق والآداب العامة.
أخيرًا أحبتي:
هي أفكار في حاجةٍ إلى المناقشة في أجواءٍ من الثقة والصراحة.. لكنَّ عصا الأمن الغليظة وأجواء الاستبداد والقمع التي تعيشها مصر لم تتح لنا فرصةً آمنةً للقاء والحوار في أجواءٍ طبيعيةٍ من جانب، وشغلتنا بردود الأفعال حول (الاعتقالات والمحاكمات العسكرية والفصل للطلاب والتشريد للعمال) من جانبٍ آخر فامتنع الحوار المباشر فيما بيننا.
فظننا أن مواقفنا متباعدة رغم أننا جميعًا لم نُبدِّل ولم نُغيِّر ولن..حقًّا.. ما أحوجنا للحوار الداخلي قبل الخارجي بأدبياتنا الرفيعة.. وما أحوجنا للحوار الخارجي دون تبادل اتهاماتٍ لا بالجمود ولا بالتخوين.
وأكثر ما يسعدنا أن نشارك أجيالنا الشابة بمثل هذا الأدب والتوقير للسابقين، وهذا الوضوح والرسوخ الذي كتب به إبراهيم الهضيبي.. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10).
________________________
وأنا لا يسعني في النهاية ألا أن أشكر للأستاذ الكريم مجاملاته الرقيقة التي لا أظنني أستحق معظمها، وأدعو الله أن يستمر هذا الحوار الراقي في ظل تجرد وإخلاص وسعي لما فيه مصلحة بلادنا وفهم أعمق لديننا ورسالتنا
والحمد لله رب العالمين
Monday, November 05, 2007
الأستاذ عاكف: ألف تحية
يتحدث الكثيرون -من الإخوان وغيرهم- عن الحرية وأهميتها، بس المية تكدب الغطاس
يعني هؤلاء أغلبهم مع الحرية طالما هي في صفهم وفي صالحهم، أما إذا كان الرأي الحر عكس ما يريدونه فتختفي كلمة الحرية وتظهر محلها عشرات الكلمات من دون (لم يحن وقته) ، (ليس المكان المناسب)، (لا داعي له)...إلخ
والأستاذ عاكف ليس واحدا من هؤلاء
فهو رجل يؤمن حقيقة بالحرية، كما سيتبين من مواقف ثلاث أعرضها
وأنا أعرضها لسبب واضح
هو أنني أختلف مع الأستاذ في بعض الأمور، التي أشرت إليها غالبا في وقتها، وأشرت إليها في بعض كتاباتي، لعل أهمها بعض تصريحاته الصحفية
وقد وجهت في أوقات سابقة بعض النقد للتصريحات، وأراه نقدا في محله
ولكن الإنصاف يقتضي أن أشير لما آراه إيجابيا كما أشرت إلى ما رأيته سلبيا، عسى أن ننتفع بالإيجابي ونتعلم من السلبي فنتقدم خطوات إلى الأمام
الموقف الأول
قبل ثلاثة أشهر، كتبت مقالة عن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، محللا أسباب نجاحه ومقارنا بين مواقفه إزاء بعض الأمور وموقف مجموعة أخرى من الحركات الإسلامية تجاه مواقف مشابهة، وكان من بين الت الحركات الإخوان
وكان من بين ما انتقدت مجموعة من تصريحات الأستاذ، وأفعال النواب، وقرارات الجماعة
وكان من بينها كذلك مجموعة مواقف لنجم الدين أربكان، وهو صديق شخصي مقرب للأستاذ عاكف
وأرسلت المقالة للأستاذ ليقرأها قبل نشرها، فاتصل بي وقال لي (لما ترجع مصر ليك عندي قرصة ودن)، فذهبت إليه أزوره عندما عدت إلى مصر، واستقبلني مرحبا وسائلا عن أخباري وأخبار أسرتي، ثم أخرج المقال من مكتبه ليناقشه معي
لم أكن أعرف تحديدا ما هو رد فعله تجاه المقال، وكنت أخشى أن يتعامل مع ما فيه من نقد بشكل شخصي، ذلك لأنني حقيقة عندما أنتقد لا أقصد أشخاص أبدا وإنما أتناول مواقف وأفكار
المهم أنه بدأ بالإيجابيات، فقال إن المقال يطرح أفكارا جيدة، وإنه سعيد باهتمامي بمثل هذه القضايا
ثم أتى على نقطة النقد، فتقبله بصدر رحب، وكان تعليقه الوحيد أنني حينما أشير إلى السلبيات فلا داعي لذكر الأشخاص، إذ يكفي أن أشير إلى الصورة الإيجابية فتتضح منها السلبيات، واختلفت معه في تلك النقطة، فأنا أرى ضرورة الإشارة للسلبيات حتى نتعلم منها، فطلب مني ألا أحدد أشخاصا أو جهات حتى لا أسيء لأحد، وناقشني بموضوعية في المقال، وانتهى بتأكيده أنه يجب أن أستمر في البحث في هذا المجال، والسعي لتقويم الحركة
وناقشته في بعض المواقف وأبدى تفهمه لوجود المشاكل التنظيمية، وقال لي ما نصه: لما حد يشوف حاجة غلط المفروض ميسكتش لحد ما تتصلح
وخرجت من عنده مستبشرا، فالرجل أكد لي في نهاية الحديث أنه مهتم بأن يراني مستمرا في الكتابة والنقد
الموقف الثاني
قبل يومين من سفري من مصر ذهبت للأستاذ لأودعه، وكان هناك اجتماعا بالدار، وكان عددا من الإخوة موجودين، ولم أدخل حتى بدأ أحدهم في تناول قضية التدوين، وقال آخر إن المدونين في حاجة إلى ضبط بعد أن أصبح بعضهم صداعا، خاصة في مسائل النقد، وهنا تدخل الأستاذ وقال بانفعال وحسم: سيبوا الناس براحتها؛ يقولوا اللي هما عايزينه، مش ممكن هنخنقهم في دي كمان
لم أحتج لكمة أقولها بعد ما قاله الأستاذ
كنت فقط أتمنى أن يكون كل من يطالب بالصوت المنخفض وبالسكوت أحيانا حاضرا حتى يسمع الأستاذ وهو ينتصر للحراك الداخلي، وينتصر لحرية الرأي داخل الجماعة
الموقف الثالث
غضبت بشدة عندما قرأت مقال المهندس علي عبد الفتاح، ليس بسبب اختلافه معي في الرأي، وإنما لأن المهندس علي وجه اتهامات لا تليق لمن اختلف معه متهما أياهم الخوف من الأمن والتفريط والعلمانية إلخ
إتصلت بعدد من الإخوة طالبا منهم حق الرد، إما أن أكتب أنا أو يحذف المقال، أن يكتب غيري
المهم أن الجميع إلا الأستاذ رفض، فقال بعضهم إن الوقت ليس مناسبا (لا أعرف ما هو الوقت المناسب لمناقشة قضايا تتعلق بالبرنامج إن لم يكن ذلك وقت إعداده) وقال آخرون إنه لا يمكن نشره حتى لا ندخل في سجالات من الردود، إلا الأستاذ عاكف
في الحقيقة كان موقفه من البداية رائعا، فقال لي: إبعت لي المقال، ولو كان فيه الشروط اللي اتفقنا عليها المرة اللي فاتت وفيه أفكار إيجابية هنشره
بعد يومين، وصلني رفض المقال من أخ أحبه، ولنه قال لي: مش هيتنشر، بس مش هكبل حريتك، إعمل اللي إنت عايزه
فاتصلت بالأستاذ وكان الضيق واضحا في صوتي، وكنت قررت إن لم ينشره الموقع أن أنشره في موقع آخر مع الإشارة لرفض الموقع نشره
بدأ الأستاذ كعادته بالترحيب الشديد، ثم أبدى إعجابه بالمقال، وقال إن الجماعة اتخذت رأيا مغايرا، فسألته: هل معنى ذلك أن تحجر على رأيي؟ فقال لم يحجر أحد على رأيك، قلت له الموقع لم يقدم إلا رأيا واحدا، وقدمه مصحوبا بسيل من الاتهامات، فقال إن الاتهامات لا تجوز،
المهم أنني قلت له أنا التزمت بما وعدت به وهو البعد عن الشخصنة في النقد، قاللي أنا هشوف إيه الظروف وإن شاء الله هنشره
ثم قال مازحا: متقلقش يا إبراهيم إعتبرني بدالك طول ما إنت مسافر، فقلت له يا أستاذ حضرتك تعرف مقامك عندي، وتعلاف إن حضرتك على دماغي، ولكن أنا من حقي أعرض رأيي
وانتهت المكالمة
ولم أكن أتوقع نشر المقال، ولكني فوجئب به على الموقع
هذه مواقف 3 حدثت كلها خلال الأسابيع الأخيرة
وهناك مواقف أخرى للأستاذ بها دروس رائعة للتعلم، طلبت منه أن يكتبها أو أن يجري حوارا حولها، ولكنه اعتذر لضيق الوقت، وطلب مني أن أنشر بعضها، فتلك أشير إليها لاحقا
ولكن ما أردت الإشارة إليه هنا هو أن موقف الأستاذ عاكف من الحرية هو موقف مبدئي وأخلاقي وليس تكتيكيا
فهو حقا يؤمن بها ولو اختلفت نتائجها مع ما يريد
وتلك نقطة لابد وأن نتعلمها منه
Sunday, November 04, 2007
الإسلام مرجعيتنا جميعا
نشرت هذا المقال بإخوان أون لاين تعليقا على مقال سابق نشر للمهندس علي عبد الفتاح
قرأت مقالاً للمهندس علي عبد الفتاح على موقع (إخوان أون لاين) بعنوان: (الإسلام مرجعيتنا)، يدافع فيه عن البرنامج الحزبي الذي أعد الإخوان النسخة الأولية منه (وهذا حقه)، وقدم فيه في الوقت ذاته نقدًا لاذعًا لمن يخالف هذا الرأي، وهو أسلوب من النقد لا يسعُني إلا أن أختلفَ معه، حتى وإن صدر من شخص له في قلبي مكانة كمكانة المهندس علي.
والحقيقة أن منزلتي من المهندس علي هي منزلة التلميذ من الأستاذ، إلا أن ذلك لن يمنعني من أداء حقه عليَّ، وواجبي نحوه في النصح، الذي هو الدين كما في الحديث: "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" والحقيقة أيضًا أن المهندس علي، بنشره هذا المقال على الموقع، لم يُبقِ لي إلا أن أعلِّقَ عليه بمقال على الموقع؛ أملاً أن يساعد ذلك في إثراء الحوار الداخلي الصحي الدائر حاليًّا حول نقاط الاختلاف في البرنامج.
ولا بد من إشارةٍ هنا لمن لم يعتَدْ من الإخوان على تقبُّل الخلاف الداخلي في الرأي، بأن أنوِّه بأن الإمام الشهيد حسن البنا كان يكتب المقال في جريدة (الإخوان المسلمين)، فيختلف معه فيه الأستاذ العشماوي، فيردّ بمقال في العدد اللاحق، ورغم أن البنا كان هو المحرِّرَ، إلا أنه كان ينشر المقال ولا يردُّ في العدد ذاته، بل يرد في العدد التالي ليقدِّمَ نموذجًا راقيًا للتسامح وتقبُّل الآراء المختلفة وعدم الخوف من طرح الخلاف الفكري على أعضاء الجماعة بل وعلى المجتمع عامة؛ علَّ هذا الاختلاف يؤدي إلى تطوير الأفكار وإصلاحها، وأولى بنا أن ننهج هذا النهج في التعامل مع خلافاتنا، وألا نخاف من أن تؤثر تنوعات الآراء على وحدتنا.
كان لا بد من توضيح تلك المسألة في المقدمة حتى نُنزِلَ الناس منازلَهم، وحتى يتمَّ التعامل مع الخلاف في الرأي بنفسيةٍ تحاول الاستفادة منه، ورؤيةِ إيجابياتِ كلِّ وجهةِ نظر، بدلاً من أن نتعامل معه بمنطق الإقصاء، وللدكتور محمد حبيب كلمةٌ عميقةٌ في هذا المجال، يقول فيها: إن هناك 360 درجة نحتاجها لكي ننظر إلى الأمر من جميع جوانبه، وكل من وجهات النظر المختلفة تمثِّل واحدة من هذه الزوايا، وبالتالي فكلما تعدَّدت وجهات النظر ازدادَ حجمُ الإدراك بحقيقة الموضوع محلّ النظر، وكانت القرارات المترتبة على ذلك أقرب إلى الصواب منها إلى الخطأ، وتلك ميزةٌ من مزايا الشورى، والإمام البنا يقول عن الإخوان: "فهم أوسع الناس صدرًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا، وفي كل دعوة حقًّا وباطلاً، فهم يتحرَّون الحق" (1).
يقول المهندس علي في مقاله- معلِّقًا على اختلاف البعض حول مجموعة من القضايا المطروحة في البرنامج-: "هل الضغط الأمني الداخلي والحصار الإقليمي والعداء العالمي للإخوان المسلمين الدافع الرئيسي لهذه التصريحات؟! أرى أن صاحب هذه التصريحات يُسيء أولاً إلى الإسلام، وإلى الإخوان المسلمين ثانيًا، وإلى نفسه ثالثًا.. إن علامة ارتباط الرمز بتياره تقدَّر بقدر ما يعبِّر هذا الرمز عن ثوابت وأفكار ومنطلقات ورؤى ومرجعية هذا التيار، هل يظن هؤلاء أن تحسين صورتهم الشخصية أمام النخب السياسية يكون بنعتهم معتدلين، مع الاعتذار لهذا اللفظ الذي صار يُستخدم في غير معناه، فصار بمعنى التفريط ويطلق على (المفرطين)" (2).
وتلك كلمات قاسية جدًّا، ما كان ينبغي أبدًا أن تصدر عن قيادة إسلامية بحجم المهندس علي، ففضلاً عن كون مجموعة من أبناء الإخوان يتبنَّون هذه الأفكار التي انتقد من يتبنَّاها؛ فإن مجموعةً من المفكِّرين الإسلاميين والفقهاء لهم مثل هذه الرؤية، منهم على سبيل المثال: العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، والمستشار طارق البشري، والدكتور محمد سليم العوَّا، والأستاذ فهمي هويدي، وهي كلها أسماء ناصعة، لا يجوز ولا يصح نعتُهم بمثل هذا، إن لم يكن لأيديهم البيضاء على الحركة، فلأنهم يصدرون تلك الآراء بعيدًا عن الضغط الأمني، ولأنهم خاضوا على طول تاريخهم من المعارك الفكرية التي انتصروا فيها لثوابت الأمة ما خاضوا، بل إنهم الورثةُ الشرعيون لمدرسة الإصلاح والتجديد الإسلامي، التي نشأت في نهايات القرن الماضي على يد الأساتذة: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، تلك المدرسة التي كان الإمام البنا أنجبَ أبنائها، والتي أقام على أفكارها جماعة الإخوان.
ثم إنه عند خلافنا في الأفكار لا بد أن نتعامل مع الأفكار ذاتها، لا أن نشكِّك في نوايا من كتبها، فالنية تدخل ضمن الغيب الذي قال فيه المولى سبحانه: ﴿قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِيْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ﴾ (النمل: من الآية 65) ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ (الأنعام: من الآية 59) و﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 3)، ولا نستطيع نحن البشر أبدًا أن نحكم عليها، فيجب علينا أن ندَعَها جانبًا، وأن نتناول بالبحث ما أوتينا سبل بحثه، وأقصد بذلك الأفكار والآراء.
يأتي المهندس علي بعد ذلك ليناقش واحدةً من القضايا المثيرة للجدل في البرنامج، وهي قضية ولاية المرأة، ويستدل بالحديث الشريف "لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة" على أنه لا يجوز للمرأة رئاسة الدولة، قائلاً: "ولا يقولن أحدٌ إن الحادثة خاصة، فالأصل عموم اللفظ لا خصوص السبب" (3)، وهو يستند في ذلك إلى آراء مجموعة من العلماء على مدار التاريخ، ولكن ذلك ليس أبدًا موطنَ إجماع للعلماء.
فالدكتور يوسف القرضاوي يعلِّق على نفس الحديث في كتابه: (من فقه الدولة في الإسلام) متسائلاً: هل يوقف الحديث على عمومه أم يوقف به عند سبب وروده (أي عدم فلاح الفرس)؟!
ويجيب مؤكدًا أن القاعدة السابقة- التي استند إليها المهندس علي- "غير مجمع عليها"، مؤكدًا ضرورة مراعاة أسباب النزول، "وإلا حدث التخبُّط في الفهم ووقع سوء التفسير"، ويضيف: "ويؤكد هذا في هذا الحديث أنه لو أُخد على عمومه لعارض ظاهر القرآن"، مشيرًا إلى قصة بلقيس ملكة سبأ، ويضيف: "كما يؤكد صرف الحديث عن العموم الواقع الذي نشهده، وهو أن كثيرًا من النساء قد كنَّ لأوطانهن خيرًا من كثير من الرجال" لا يقف العلاَّمة المجدِّد عن هذا الحدِّ، بل إنه يؤكد أيضًا أن لفظة "ولوا أمرهم" تعني الخلافة قائلاً: "وهو ما لا يوجد اليوم" (4).
وينقل الدكتور محمد سليم العوَّا في كتابه القيِّم (النظام السياسي في الإسلام) الذي يحاور فيه د. برهان غليون عن بعض من الفقهاء المتقدمين قولهم بأن الحديث إخباريٌّ، أي أنه ليس نهيًا عن ولاية المرأة، وإنما هو تنبُّؤٌ من الرسول الكريم بأن الفرس لن يفلحوا، من دون أن تكون العلة في ذلك ولاية امرأة، إخبار كما في قوله تعالى ﴿غُلِبَتِ الرُّوْمُ﴾ (الروم: 2) (5).
نقطة ثالثة في هذا الأمر هي سؤال أطرحه: هل يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم رجلاً؟! إن تجربة الحضارة الإنسانية أثبتت لنا أن وجود الولاية في شخص واحد- بغض النظر عن دينه وجنسه- لا يؤدي إلى الفلاح؛ فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما يقولون؛ ولذا فنحن لا ننادي بسلطة مطلقة لرجل أو امرأة، وإنما بدولة مؤسسات، أو بعبارة أخرى: ندعو لأن "يتولى أمرنا" نخبةٌ منا، يختارهم الشعب عبر صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة؛ ليمثلوه في المؤسسات المختلفة التي تُدير الحكم، ولا ندعو لأن نولِّيَ أمرَنا رجلاً أو امرأةً؛ ندعو للالتزام بالقاعدة الكلية التي أقرَّها القرآن، والتي تختلف إجرائياتها من زمن لآخر، وهي ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 38) لا يولى رجلٌ أو إمرأةٌ بأعينهما.
قضية ولاية المؤسسات ووجود الدساتير التي لا بد من احترامها، تلك هي التي دفعت المفكر المستشار طارق البشري- الذي أراه أعلم أهل العصر من ذوي التوجه الإسلامي بمفهوم الدولة وبطبيعة القانون وأحوال الواقع، خاصةً في مصر- لأن يقول إنه لا مانع من أن يتولى أي شخص رئاسة الدولة؛ فالمطلوب هو إصلاح وتفعيل هياكل الحكم، وليس العمل للحيلولة دون وصول طرف أو آخر للكرسي؛ فمن يَصِل للكرسي- في الوضع الذي نبتغيه- لن يحكم منفردًا، ولن يكون صاحب سلطة بلا رقابة ولا قيود.
أعلم أن هذه القضايا خلافية، وهي ربما جديدة على الأمة، ولكن ذلك لأن الواقع اختلف، وطبيعة الدولة اختلفت، ومن ثم وجب التعامل معها بمنطق مختلف؛ لأننا- كما يقول البنا- "دعوة من الدعوات التجديدية لحياة الأمم والشعوب" (6)، ولأن شريعة الإسلام فيها متسع لذلك، فهي- كما يشرح البنا- تحدد الأهداف العليا، وتضع القواعد الأساسية، وتتناول المسائل الكلية، ولا تتورَّط في الجزئيات، وتدع بعد ذلك للحوادث الاجتماعية والتطورات الحيوية أن تفعل فعلها، وتتسع لها جميعًا لا تصطدم بشيء منها (7).
وأنا هنا أقدم رأيًا آخر غير ذلك الذي طرحه المهندس علي وطرحه برنامج الإخوان، أطرحه من منطلق إسلامي لا من منطلق علماني؛ فالإسلام مرجعيتي التي أعتزُّ بها تمامًا كما هي مرجعيته، وتمامًا كما هي مرجعية الإخوان جميعًا بلا شك، ومرجعية الغالبية من المصريين، أطرح الرأي المغاير لا تأثرًا بضغط العلمانيين، ولا سعيًا لاسترضائهم، ولا أطرحه خوفًا من بطش الأمن؛ فلعلَّ الأمن سيكون أهدأ حالاً كلما ابتعدنا عن مناطق التوافق المجتمعي، وسيكون أكثر عنفًا كلما استطعنا الوصول لعدد أكبر من المثقفين والمفكِّرين، وإنما أطرح هذا الرأي لسببين:
أولهما: هو أنني لا أرى في إتاحة مجال التنافس للجميع مع إعطاء الأمة حقِّها في الاختيار اقترابًا أكثر من مقاصد الشريعة، التي من بينها مقصدا العدل والمساواة، ومن بينها مقصدان آخران مهمان في هذا المجال: مقصد (إنصاف المرأة)، ومقصد (تقرير كرامة الإنسان وحقوقه، وخصوصًا الضعفاء) (8)، ولا شك أن الأقليات ضعيفة، وكذا المرأة، ومن ثم كان واجبًا علينا التقدم وإقرار حقوقهم من دون انتظار أن يطلبوها هم، فما بالنا وقد طلبوها؟!
ثم إنني- ثانيًا- لا أجد مبررًا للدخول في صدام مع المثقفين في المجتمع، طالما أن القضية خلافية، وطالما أن هناك من الشرع متسَعٌ يؤدي للاتفاق، وليس في ذلك عيبٌ؛ فالسعي لتجاوز الخلافات هو سعي محمود، طالما أنه لا يأتي على حساب الثوابت الشرعية.
وبعد، فإنني أعرض هذا الرأي باعتباره رأيًا صحيحًا، ولكنه ليس (الرأي الصحيح)؛ فالصواب المطلق والحق المطلق لا يعلمه إلا من قال ﴿وَاللهُ يَقُوْلُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِيْ السَّبِيْلَ﴾ (الأحزاب: من الآية 4)، ولكنني أعرضه حتى أزيل الشبهة عمن اتُّهِموا بـ"التفريط"، وحتى نناقش خلافاتنا الفكرية فكريًّا، فنرى أيهما أقرب للمقصد والمصلحة الشرعية، ونناقشهم بمنظور الصواب والأصوب، لا الحق والباطل، ونناقش الأفكار من دون أن نقدح بمن قالها، وتبقى الشورى بآلياتها- بدءًا من إعطاء المساحات الكافيه لطرح كل رأي ووصولاً إلى التصويت- هي الوسيلة التي لا بد للجميع من الاحتكام إليها حين السعي إلى قرار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
--------
(1) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، (رسالة دعوتنا).
(2) علي عبد الفتاح: الإسلام مرجعيتنا، موقع إخوان أون لاين: 27/10/2007.
(3) علي عبد الفتاح: الإسلام مرجعيتنا، موقع إخوان أون لاين: 27/10/2007.
(4) الدكتور يوسف القرضاوي: من فقه الدولة في الإسلام؛ ص 174، 175، طبعة دار الشروق 2001.
(5) د. برهان غليون، د. محمد سليم العوا: النظام السياسي الإسلامي، من سلسلة حوارات القرن الجديد، دار الفكر، 2005.
(6) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة دعوتنا في طور جديد.
(7) د. محمد عمارة: التجديد في المشروع الحضاري لحسن البنا؛ فصل في كتاب: المشروع الإصلاحي للإملم حسن البنا، تساؤلات قرن جديد، 2007، مركز الإعلام العربي.
(8) من المقاصد السبعة في كتاب: (كيف نتعامل مع القرآن العظيم) للدكتور يوسف القرضاوي، ص 73، طبعة دار الشروق 2005
Sunday, September 30, 2007
أجمل إحساس في الكون
الحياة أكيد مش سهلة، والغربة أصعب
مفيش أهل الواحد يشوفهم كل يوم لما يروح، مفيش أخواتي اللي فعلا وحشوني
الاصحاب هنا عالقد، يعني هما كام واحد
مفيش لستة المواعيد بتاعت كل يوم بعد الشغل، بس الحقيقة في شغل بيملا وقت أغلب المواعيد دي
مفيش الجرايد اللي متعود أقراها كل يوم؛ من أول الأهرام، والمصري اليوم، والدستور، وطبعا الدستور الإسبوعي
مفيش حلاوة مصر وقرفها، أهلها اللي بحبهم، ونظام الحكم اللي بكرهه
بس في حاجة واحدة عايشة مع الواحد
أنا مقصر فيها وعارف كدو، بس هي دي فعلا الحاجة اللي بتهون عالواحد يومه
لما أرجع البيت
وأخد دش، وأغير، وأصلي، وأقعد اتفرج عالتليفزيون وأعمل تشاتنج شوية
وبعدين أقعد عالسرير
وأمسك المصحف
ياااااااه
فعلا مفيش أجمل من كدة
يوم الواحد يعدي على آيات زي (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لأولي الألباب)، ويوم أقرأ آيات (صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون)، ويوم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، ويوم (ليسوا سواءا من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم ساجدون)، ويوم أسمع قصة يوسف، ويوم أشوف الأحزاب، ولما أقرأ النساء لسة مش عارف أحفظها علشان بتلخبط في المواريث، بس العدل في السورة وفي آياتها التي تحض على النهوض لمقاومة الظلم، وتجعل ذلك أمرا يستوجب الجهاد (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان)، والآيات التي نزلت تبرء اليهودي وتدافع عنه (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)، والربع اللي فعلا بحبه في سورة الرعد (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار)، وسورة إبراهيم وخاصة الصفحة الأخيرة، المرعبة أحيانا، والمطمئنة في أحيان أخرى، وتأديب المؤمنين في الأنفال، وسورة الأنعام، مطهرة القلوب، ومعيدة توجيهها إلى ربها، وبعض آيات في الإسراء (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) إلى قوله تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، وغيرها وغيرها
فعلا، من أجمل ما يمكن للمرء أن يشعر به، أن يعيش ولو لحظات مع القرآن، أقول يعيش معه ولا يقرؤه فحسب
في تلاتة تأثرت جدا بعلاقتهم بالقران: رشيد رضا، ومالك بن نبي، والغزالي
والثاني والثالث أرجو من الله أن يمد في عمري حتى أكتب عن كل منهما تدوينة عن تأثري بما كتب، وكيف أن الكلمة الطيبة تبقى، وتلك كلمة قالها الأستاذ فهمي هويدي عندما قلت أنني أشعر ان الكتابة غير مثمرة لأن عدد من يقرأون في بلادنا قليل، المهم أنني لهذا السبب سأؤجل الحديث عن تأثري بعلاقتهما بالقرآن لما بعد
أما رشيد رضا، فقد علمت من أستاذي الذي يحفظني القرآن، بارك الله فيه، أن آخر ما كتبه في تفسيره للقرآن، والذي أكمل به ما بدأه استاذه محمد عبده، كان تفسيره لقول الله تعالى: ربي قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السموات والأرض، أنت وليي في الدنيا والاخرة، توفني مسلما وألحقني بالصالحين
فعلا، ليس هناك أجمل من القرآن
اللهم أشرح به صدورنا، وأنر به قلوبنا، وأعمل به عقولنا، وطهر به أنفسنا، وأطلق به ألسنتنا
Thursday, September 27, 2007
Reading Through The Future: Who Will Pay the Price
Wednesday, September 26, 2007
The Muslim Brotherhood Will Stand Up for All Egyptians
Wednesday, August 22, 2007
حمد الله على السلامة
والله الواحد اليومين دول نفسه مسدودة عن كل حاجة
الحمد لله مفيش يأس
وإن شاء الله مش هيبقى في يأس
وهناك أسباب كثيرة لعدم اليأس
منها قول الله
ومالنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون
إلى قوله
واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد
ومتفائل لإني عارف وشايف إن في ثقافة جديدة بتنتشر بين الإخوان في رفض الإعتقالات ومقاومتها، وهتكلم عنها قريب لإني حاسس الناس محبطة شوية زيادة عن اللزوم
بس نفسي مسدودة من الظلم، ومن الكدب، ومن شهادة الزور
نفسي مسدودة من الناس اللي ملهاش حد
الظلم عندها مالوش آخر
البلد هتخرب على دماغهم وبيقولوا عليا وعلى أعدائي وبيضغطوا في الظلم علشان تخرب على كله
بس والله في وسط ده كله جالى خبر فعلا فرحني
كنت بتكلم مع حسام الحملاوي على الإيميل، بنشوف إيه اللي ممكن يتعمل في القرف اللي إحنا فيه ده
لاقيته بيقوللي ممكن تكلم الدكتورة رباب المهدي تاخد رأيها، هي خلاص رجعت مصر بعد رحلة العلاج
أنا لو قعدت أتكلم عن الدكتورة رباب، واللي بتعمله علشان رفع الظلم عن المعتقلين، مش هوفيها حقها
كفاية أقول إنها بتدافع عنهم وهيا مختلفة معاهم في الرأي أكتر ما كتيييييييير من اللي متفقين معاهم بيدافعوا عنهم
بس أنا مش عايز أتكلم عن الدور السياسي للدكتورة رباب، أنا عايز بس أقول إنها فعلا إنسانة كويسة جدا، وحرصة على الناس اللي تعرفهم، وقضايا بلدها فعلا عايشة جواها
أنا مش عارف أقول إيه، بس أنا فعلا فرحان الحمد لله
أول لما عرفت مسكت التليفون وكلمت الأخت رباب، مردتش عليا فكلمتها كذا مرة
في الاخر بعتتلي رسالة تقوللي إنها مينفعش ترد على التليفون لفترة كدة، بس هي الحمد لله في القاهرة
بجد يا دكتورة رباب ودكتور سامح: حمد الله على السلامة
وإن شاء الله أشوفكو على خير وتعزموني على الغداء (أنا قلت شاي والله بس هي رباب قالتلي غداء) لما أرجع مصر
Saturday, July 14, 2007
أصله مش قرآن
واحد صاحبي بيكلمني في التليفون من كام يوم بيقولي إيه يا عم الأي كلام اللي عندك عالمدونة دا، اللي يقرأ الكلام اللي إنتا كاتبه من كام شهر، ويرجع يقرا اللي كاتبه دلوقتي، خصوصا في تحليلك للواقع السياسي المصري يلاقي عندك كلام بيناقض بعضه
الحقيقة أنا لم أستفسر منه عن التناقضات التي وجدها، فتلك قضية لم تشغلني، ولا أعرف في الحقيقة إن كانت هناك تناقضات أم لا، ولكن بدون شك فقد تغير رأيي في بعض الأمور، ربما مع سير الأحداث، وربما ومع إعادة التدقيق، وربما مع توافر كم أكبر من المعلومات، وربما مع النظر من وجهة نظر أخرى، وربما،لبعض من هذه الأسباب أو غيرها مجتمعة
المهم إني رددت على صاحبي بأول كلمة مرت على عقلي
أصله مش قرآن
من الطبيعي أن يتغير رأيي، لأن معلوماتي بطبيعة الحال ليست كاملة، ولا أحد معلوماته كاملة إلا خالق الخلق سبحانه، ولذلك قال (ذلك الكتاب لا ريب فيه)، بينما قال أنبياؤه (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله)، يعني إحنا مهما بلغ علمنا فسيبقى قليل، وسيبقى غير كامل، وسيبقى قابل للتغيير والتطور
فكما قلت من قبل، الحق، المعرف بالألف واللام لا يقدر عليه إلا العليم الخبير، هو وحده قوله حق لا ريب فيه
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)
وأنا عارف إن رأيي بيتغير، ولا أرى في ذلك حرجا، فأنا في أول أيام ما حدث في غزة كنت شديد التعاطف مع موقف حماس، ثم بعدما ناقشت بعض الأخوة، وقرأت بعض التفاصيل، وفكرت في الأمر مرة أخرى، غيرت رأيي، فلم أعد أرى أن ما فعلته حماس هو الأصوب على الإطلاق، بل وأختلف معه بشكل كبير، وقد يكون رأيي هذا صوابا، وقد يكون خطئا، ولكنه ليس (الرأي الصواب)، لا هو ولا غيره من الاراء
وقد كنت معارضا لنزول الإخوان في انتخابات مجلس الشورى، ثم لما ناقشت أحد أساتذتي من الإخوان، وربما أحبهم إلى قلبي،(في مكان لا أتمنى وجوده به) في مناقشة طالت ربما ساعتين، تفهمت النزول، ورأيت وجهة النظر المختلفة، فتذكرت كلمة الدكتور حبيب التي قالها من قبل (زاوية النظر 360 درجة، ولذلك من الطبيعي أن نكون 360 رأي حول كل قضية، ولا ضرر في ذلك، بل كلما تعددت الآراء إقتربنا من الصورة الكاملة)
وهذا دوما قول المؤمنين، بل وقول كل عالم، لأن العلم هو الذي يعلم المرء أنه لا يدرك الحقيقة كلها، فكما يقول الشافعي
كلما ازداد علمي زادني علما بجهلي
وللشافعي أيضا كلمة معروفة ومشهورة في هذا السياق يقول فيها
رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
فهو يؤمن بصواب ما يقول، وإلا ما كان يجب أن يقوله، ولكان قوله هو انسلاخ عن الأمانة العلمية، وهو يظنه صوابا لأنه بذل من الجهد والفكر لإصداره ما يجعله يطمئن إلى أنه استفرغ الوسع، ولكنه في الوقت ذاته يعلم أنه مهما أوتي من علم فستظل هناك أمور لم يحط بها، وبالتالي فقد يكون الحق في غير ما يقول
وأنا أعقد المقارنة هنا بين فقه الشافعي وتحليل الواقع المعاصر باعتبار كلا الأمرين علما، يحتاج إلى الفهم والمعرفة معا
وفي كلا الحالتين، فإن من يصدر عنه العلم لم يحقق الكمال في أي من الطرفين، سواء الفهم أو المعرفة
وأظن أن دراسة الواقع لها دور كبير في تكوين الرأي الفقهي، وقد كتبت مقالة في هذا السياق نشرت في مجلة المسلم المعاصر، وقد أعيد نشر أجزاء منها على المدونة بإذن الله
المهم هنا هو أن من لم يدرك تلك الحقيقة، حقيقة محدودية علمه وفهمه، كان فرعون، الذي قال لقومه
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
أعود فأقول، إن اختلاف آرائي وتطورها في بعض القضايا لا يقلقني على الإطلاق، بل لعلي لا أخفي سرا إن قلت أن ذلك كان أحد أهداف تدويني، أن أكتب ما يدور في رأسي، فذلك كاف لتطويره، ثم أستقبل عليه ردودا وتعليقات، فأرى الأمور بوجهة أخرى
أنا أكتب لأنني غير مستعد لأن أحرم نفسي من حقي في إنسانيتي، من حقي في أن اجتهد وأخطئ، ثم أجتهد فأصيب أو أخطئ، وأراجع نفسي، وأقيم ما أكتب وما أفعل، وذلك هو ما تعلمته، فليست المحاسبة فقط أن يحاسب المرء نفسه على أوراد الصلاة والقرآن، وإنما أن يحاسب نفسة على آرائه وأفعاله وأفكاره، ويراجعها
أن يراجع نفسه فيحدد ما هي ثوابته الفكرية، وكلما تقلصت كان أفضل
وأن يراجع معتقداته في ضوء ثوابته
وأن يراجع أفعاله في ضوء معتقداته
وأن يراجع نتائجه في ضوء أهدافه
وأن يراجع أهدافه في ضوء معتقداته
أنا شخصيا أعود دائما لما أكتب، سواء ما نشر وما لم ينشر، وأراجع أفكاري فيه، وأناقشها مع نفسي أو مع غيري، وأعيد النظر في أولوياتي، وأراجع أفعالي ونشاطاتي وفقا لأهدافي التي أضعها لنفسي بشكل دوري، وأراجع هذه الأهداف ذاتها في كل مرحلة جديدة، ومن ثم فمن الطبيعي أن تتغير أفكاري، وتتطور
صاحبي وحبيبي اللي كان بيكلمني، فعلا شكرا على الإشارة الهامة دي
Sunday, July 08, 2007
رجال الدولة...ورجال الأعمال
أتصور أن الوطنيين المصريين الحريصين على هذا الوطن باختلاف اتجاهاتهم السياسية والفكرية لا يغمض لهم جفن ولا يهدأ لهم بال بسبب قلقهم المبرر من الأوضاع الراهنة في (أم الدنيا)، فقد عمت الفوضى فعم البلاء. وأظن أن أهم مظاهر تلك الفوضى في دوائر الحكم هو ذلك التداخل الخطير في المفاهيم، وسحب بعض المفاهيم من مجالات معينة ووضعها في غير سياقها مع مجموعة من المفاهيم الأخرى. ومن هذا أعني تحديدا الخلط الفلسفي بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي، أو بين دور رجل الدولة ودور رجل الأعمال. وقد أدى هذا الاختلاط إلى تشوهات بالغة في دور الدولة على الأصعدة المختلفة (السياسية- الاجتماعية- الاستراتيجية- الجيوبوليتية) فأضحت الحكومة كما أشار الكاتب الساخر إبراهيم عيسى قبل فترة (مجلس إدارة مصر)
ولست هنا أحاول اتخاذ موقف متحيز ضد رجال الأعمال، فأنا على العكس من ذلك أرى أن وجود مجموعة كبيرة من رجال الأعمال المستقلين والوطنيين قد يكوم دافعا كبيرا باتجاه الديمقراطية الحقيقية، ولكني بصدد تقييم تجربة تكررت في أكثر من ركن من أركان الوطن العربي وتتكرر الآن في مصر؛ وهي تجربة إدارة الدولة بسكل مباشر من قِبَل رجال الأعمال
فرجل الأعمال هو شخص يسعى نحو تحقيق (أرباح) من خلال مجموعة من الأعمال يديرها. وتقييم نجاح رجل الأعمال يكون من خلال تحقيق هذا الهدف؛ أي أن من يحقق أرباحا أعلى فهو الأنجح.
وبعبارة أخرى يمكن القول بأن تحقيق هذه الأرباح هو القيمة/الخلق
(ethic)
الرئيسي الذي يجب على رجل الأعمال التحلي به. ولا أقصد بذلك نفي الأخلاقية الفلسفية/الدينية عن رجل الأعمال على الإطلاق،ولكني فقط أشير إلى أن القيمة المحركة له في عمله لا يمكن أن تكون إلا تحقيق الأرباح. نعم قد يكون هذا الرجل صالحا يستخدم هذا الربح في الأنفاق على الفقراء وكفالة الأيتام، وقد يكون غير ذلك يستخدم هذه الأموال في أعمال منافية للأخلاق ولكنه في كلتا الحالتين يسعى لتحقيق الربح. فلو أنه كان يخسر في أعماله ولكنه ينفق في أعمال البر والخير فهذا يجعله أنسانا صالحا ولا يجعله رجل أعمال ناجح.
ومن أجل تحقيق هذه الأرباح يسعى رجل الأعمال لتضخيم العوائد وتقليل المصروفات من خلال عمله في إطار قانوني واضح تديره الدولة. وهو يسعى لتحقيق ذلك عن طريق وسائل متعددة. فمن أجل زيادة العوائد يسعى رجل الأعمال لزيادة المبيعات، ويمكن له كذلك أن يرفع الأسعار من أجل زيادة العوائد، وهو يحرص دائما مع رفع الأسعار على إعادة طرح منتجاته بصورة جديدة تبرر للمشتري تلك الزيادة في الأسعار.
وعلى الجانب الآخر يسعى رجل الأعمال لتقليل مصروفاته بوسائل شتى؛ قد تشمل فصل الموظفين والعمال وتقليل أعدادهم وتشمل كذلك تخفيض المزايا والخدمات الموجهة لهؤلاء الموظفين؛ هذا بالاضافة إلى وسائل أخرى وتعددة يعلمها أهل الاختصاص تؤدي في النهاية إلى خفض مصروفات الشركة على نحو يؤدي إلى زيادة أرباحها.
تبقى الإشارة إلى أن رجل الأعمال يدير أعماله في أطار الدولة؛ أي أنه في مقابل الضرائب التي يدفعها (أو يتهرب منها على حسب قدر صلاحه كشخص) يوكل الدولة بحفظ أمن ممتلكاته وتأمين ألا ينهبها رجل أعمال آخر أو يضع يده عليها غيره.
ولا يعني كل ما ذكر بطبيعة الحال أن هذه هي العقلية المتحكمة في كل رجال الأعمال، فذلك غير ممكن بطبيعة الحال. ذلك بأن لكل قاعدة هناك مجموعة من الاستثناءات تثبتها ولا تنفيها. كما أن إدارة الأعمال بالشكل السابق ذكره لا تعني بالضرورة غياب الأخلاقية عن رجل الأعمال. فهو كما سبق قد يكون يستخدم الربح في أمور خيرية، وذلك بالطبع شريطة ألا يكون متهربا من الضرائب أو متعسفا في فصله للموظفين...إلخ
ننتقل بعد ذلك إلى مناقشة عقلية رجل الدولة؛ فإذا كان تحقيق الربح هو العامل المحرك والبعد الأخلاقي/القيمي لرجل الأعمال فإن لرجل الدولة بعد أخلاقي/قيمي آخر هو تنمية المجتمع والحفاظ على وحدته وتماسكه وقيمه وتحقيق غاياته ومصالحه وحمايتها؛ ومن ثم فإن غياب الأخلاقية عند رجل الدولة هي تقصيره في أداء تلك الأدوار. وما ينطبق على رجل الأعمال ينطبق على رجل الدولة في هذا الإطار؛ فإذا كان رجل الدولة فاسدا شاربا للخمر مثلا فإن هذا يقدح فيه كشخص لا كرجل دولة، وإذا كان صالحا ولكنه غير كفء فإن هذا يقدح فيه كرجل دولة لا كشخص، وهو ما جعل أحد الفقهاء يقول من قديم إنه يفضل الحاكم القوي الفاسد على الضعيف الصالح (لأن القوي قوته تنفع الأمة وفساده يضره وحده والضعيف ضعفه يضر الأمة وصلاحه ينفعه وحده)؛ على أن الأصح بكل تأكيد هو الصلاح في الاتجاهين لأن الأخلاق لا تعيش في كانتونات منفصلة عن بعضها البعض بحيث لا يؤثر بعضها في بعض.
على كل فإن هذا الدور لرجل الدولة يشكل عقلية مختلفة عن تلك التي يتحرك بها رجل الأعمال. فرجل الدولة لا يكون منشغلا بتحقيق (أرباح- نمو اقتصادي) بقدر اهتمامه بعدالة توزيع هذه (الأرباح) على المجتمع وكفايتها لقضاء الحاجيات الأساسية لجميع أفرداه؛ ذلك أن للدولة دور تجاه أفرادها الذين انتخبوها (ولو نظريا) لتمثل مصالحهم. لأجل ذلك يصبح فصل الدولة للموظفين عمل غير أخلاقي، لأنها تقطع عنهم مورد رزق هي مسؤولة عن توفيره، ويصبح خفض وإلغاء الدعم غير أخلاقي لأنه يجعل السلع الإساسية مستحيلة التوافر على محدودي الدعم فضلا عن معدوميه (الذين يمثلون رقما كبيرا لا يمكن تجاهله في المجتمع المصري).
وهناك دور آخر هام جدا للدولة هو توفير الأمن اللازم للمجتمع؛ وذلك لغياب (دولة عالمية) تحفظ هذا الأمن، وهو دور طالما غفل عنه رجال الأعمال في حال تحولهم لرجال دولة؛ فهم لا يفقهون (غالبا) الفارق بين القانون المحلى (الذي تضطلع أجهزة الدولة بتطبيقه كجزء أساسي من مهمتها) وبين القانون الدولي الذي لا توجد مؤسسة قائمة على تطبيقه.
ولعل مثال الرئيس سعد الحريري في لبنان (فك الله كربه وأخمد نار الفتنة فيه) هو مثال جدير بالدراسة. فالحريري هو رجل أعمال من الطراز الأول؛ كان يدير عددا كبيرا من المؤسسات ذات الطابع الربحي بنجاح ثم فجأة جاء اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري لينقله من خانة ادارة الشركة إلى خانة ادارة الدولة؛ هكذا وبدون مقدمات وجد الحريري الابن نفسه في قلب الحياة السياسية اللبنانية، وإن بقى عقله على شاكلته لم يتغير فأصبح (مديرا للدولة). من هذا المنطلق يمكن فهم الغالبية العظمى من المواقف السياسية (أو قل الاقتصادية) للحريري وتيار المستقبل الذي يتزعمه؛ فهو ينظر إلى العلاقة بالغرب على أنها علاقة عمل ستدر الأرباح على لبنان؛ وذلك بقطع النظر عن كيفية تأثير ذلك على المجتمع اللبناني، وعن الأبعاد المتعلقة بالأمن القومي اللبناني وعلاقاته بجيرانه وعلاقته بنفسه داخليا.
وما حدث في لبنان بشكل فج ومفاجئ حدث في مصر بشكل متدرج على مدار الأعوام القليلة الماضية. ففي نهاية القرن الماضي ظهرت في الأفق (لجنة السياسات) في الحزب الحاكم بنفوذها الكبير، ومنذ البداية ضمت اللجنة عدد لا بأس به من رجال الأعمال؛ الأمر الذي اعتبره عدد كبير من (المحللين) السياسيين وقتها إيجابيا لأنه سيكون عامل دفع باتجاه اقتصاد السوق. وما هي إلا أشهر معدودة ونجحت هذه (النخبة السياسية الجديدة) في تغيير رئيس الوزراء بسبب ابطائه في عمليات الخصخصة، المهم أن اللجنة بدأت حسب تعبير الصحف الرسمية تتجه بمصر نحو اقتصاد السوق، وحسب توصيف هذه الدراسة (وأظنه الأكثر دقة) فإن اللجنة حولت مصر إلى شركة تديرها.
ومن الظواهر التي تدل على ما أقوله أختار القليل محاولا الاكتفاء بوصف الظاهرة من دون التعقيب عليها لأن هدف هذه الورقة ليس السخرية من الواقع بقدر ما هو توصيفه على نحو دقيق في ظل تحرر من (قوالب التحليل والتوصيف) التي قمنا باستيرادها من نماذج سياسية واجتماعية أخرى من دون مراعاة الفوارق الاجتماعية، ومراعاة أن هذه النماذج ما هي إلا أدوات تستخدم لتوصيف ظواهر اجتماعية وسياسية واقتصادية وإذا لم توصفها بشكل دقيق فيجب استبدالها لأنها ليست مقدسة ولا مفيدة إلا بقدر قدرتها على التوصيف.
أعود فأقول إن عقلية ادارة الشركة تجلت في تصرفات وقرارات وسياسات متعددة للحكومات المتلاحقة منذ اندماج رجال الأعمال برجال الدولة في مصر خلال العقد الماصي. فنرى على سبيل المثال أن الدولة قد تخلت بشكل واضح عن دورها الاجتماعي من خلال سياسة الخصخصة وما لازمها من فصل لموظفي الشركات المخصخصة (خاصة أن العقلية الحاكمة لم تكن تهتم حقيقة بمصير الموظفين لأن الأهم بالنسبة لها كان البيع وجمع الأرباح لإضافتها كرقم في ميزانية الدولة على أحسن الفروض). وعلى الجانب الاقتصادي سعت الدولة لزيادة مواردها بعقلية الشركة، فهي لم تفعل ذلك عن طريق زيادة الضرائب والجمارك مثلا، فذلك أمر لا يفضله رجال الأعمال في العادة، ولكنها سعت لزيادة مواردها عن طريق فرض رسوم جديدة على خدمات يفترض أن تؤديها مثل النظافة وبعض المرافق العامة التي زادت أسعار استغلالها (مثل الحدائق العامة وطرق السفر وغيرها). أما على النظام الداخلي فقد تعاملت الدولة مع المعارضة كما لو كانت مجموعة من الموظفين الخارجين على نهج الشركة فكان لابد من معاقبتهم على اعتبار أن ما فعلوه يخرج عن إطار الشرعية لأنه ليس للعمال والموظفين الحق في مشاركة (مجلس الادارة) في اتخاذ قرارات وسياسات الشركة. فمجلس الادارة يحق له اتخاذ كافة القرارات؛ وإذا كان قد سمح للموظفين بالإدلاء بآرائهم والتعبير عن رؤيتهم لمستقبل الشركة فإن ذلك ليس إلا من باب (الشورى المعلمة لا الملزمة) التي قد يأخذ بها مجلس الادارة إن رآها في مصلحته وقد يرفضها من دون أن يحق لأحد محاسبته. فالشركات بطبيعة الحال ليست واحات للديمقراطية، وإذا أعطى رئيس مجلس الادارة مساحة مشاركة وحرية أكبر للموظفين فليس ذلك إلا (هدية) منه‘ ومراجعة (رأي الأهرام) ومقالات رؤساء تحرير (الصحف القومية) وكيف تعاملت مع (قرارات) الدولة لزيادة مساحة الحرية (أو هكذا زعموا) توضح كيف أن الدولة بأجهزتها المختلفة تتعامل مع مصر كما لو كانت شركة.
وأخيرا وعلى صعيد الأمن القومي فتلك قضية غائبة عن وعي مجلس ادارة الشركة لأنها تعمل في دولة القانون. ورجال الأعمال الجالسين على مقاعد رجال الدولة يظنون فيما يبدو أن هناك (حكومة عالمية) مناطة بتطبيق القانون وبالتالي هم في غير حاجة لاعتبار هذا الجانب في سياساتهم. وقد ظهر غياب هذا الجزء جليا في أمور مثل نوع العلاقات المقامة مع الدول المعادية (اتفاقية الكويز كمثال) والتعامل مع الأزمات المشتعلة في المنطقة (التعامل مع حماس، والموقف من قضية دارفور وقضية الصومال) ويظهر كذلك في خفض الإنفاق على التسليح (ولا أقول الإنفاق العسكري) على اعتبار أن تلك مصروفات نحن في غنى عنها في عصر السلام، ويمكن على أسوأ حال الاستعاضة عنها بعلاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع أطراف بعينها.
وقد كانت لتلك السياسات آثار شديدة السلبية على المجتمع المصري؛ نسعى لفهمها هي الأخرى من خلال وضع تصور نظري يتناسب معها. فأولا وعلى الصعيد الاقتصادي حققت هذه السياسات نجاحات رقمية في الميزانية المصرية (وذلك نتيجة لضعط المصروفات وزيادة العوائد) ولكن هذه النجاحات الرقمية لم تتم ترجمتها لتحسين مستوى المعيشة، وذلك لأن الدولة قللت من مسؤولياتها الاجتماعية فلم تعد يدها تصل للجميع لتعطيه ولو القليل، بل أصبحت تعطي (المواطنين-الموظفين) الفعالين والمنتجين فقط باعتبار أن هؤلاء دون غيرهم هم (المستحقون) للرواتب. فهذا فارق كبير بين الشركة التي لا تعبأ إلا بالموظفين المنتجين الذين يساهمون بشكل إيجابي في زيادة أرباحها في حين أن الدولة مسؤولة عن كافة مواطنيها سواء (الفعالين) منهم أو (غير الفعالين) من يتامى وأطفال شوارع وعجائز ومرضى وأصحاب إعاقات وغيرهم من غير القادرين على العمل بفعالية. فالفئة الفعالة (خاصة كبار رجال الأعمال) شعرت بهذه النجاحات الرقمية التي انعكست عليها بشكل إيجابي، أما غير الفعالين وأنصاف الفعالين فلم يشعروا بأي تحسن ناتج عن هذه (الإصلاحات). من هنا نستطيع أن نفهم تصريح المسؤول الكبير في لجنة السياسات الذي دافع عن فعالية سياسة حكومته قائلا إنها تقوم بإصلاحات حقيقية ولكن الناس لا يشعرون بها.
المهم أن هذه السياسات كان من نتائجها المباشرة اضمحلال الطبقة الوسطى، وهي تلك المعتمدة على الخدمات الحكومية لتوفير حياة كريمة لها. فلما أقلعت الدولة عن أداء تلك الخدمات، أو على الأقل رفعت أسعارها سقطت تلك الطبقة –أو سقط معظمها- في مستنقع الفقر. أما أخطر ما في الأمر هنا فهو عجز الدولة عن رؤية تلك المشكلة وكافة المشكلات الناتجة عن سياساتها. ذلك أن الطيور على أشكالها تقع، والمرء على دين خليله، فإن رجال الأعمال الناجحون الجالسون على مقاعد رجال الدولة إنما يصادقون أمثالهم من رجال الأعمال الناجحين المستفيدين من الإصلاحات الحكومية من تخفيض للجمارك وغيرها من السياسات التي تصب في مصلحة كبار رجال الأعمال.
ولأن حسن الظن بالناس من الأمور الواجبة، ولأننا يجب أن نلتمس الأعذار للناس فإنني أختار أن أفسر عدم احساس الدولة بالمشكلات المجتمعية التي تحققها على أنه نتيجة اعتماد (مجلس ادارة الدولة) على اصدقائهم المقربين في تقييمها، وهؤلاء المقربون يشعرون أن السياسات ناجحة، ولكنهم بكل تأكيد قلة قليلة لا تمثل شيئا في ميزان الديمقراطية الذي تميل كفته على الدوام لصالح الغالبية العددية لا المالية.
وكلما زاد فشل هذه السياسات وكلما زاد تدميرها للطبقة الوسطى ازداد إحساس القائمين عليها بنجاحها؛ ذلك لأن انهيار الطبقة الوسطى يؤدي لقطع الروابط بين (مجلس الادارة) وبين عامة الشعب بعد أن كانت الطبقة الوسطى تؤدي (جزئيا) هذا الدور.
أما النتيجة النهائية لهذه المسيرة فهى الانهيار التام للدولة. فمع غياب الدور الاجتماعي للدولة فإن هناك جهات مدنية أخرى ستقوم بهذا الدور (خصوصا في ظل وجود قيمة الزكاة كقيمة لا يمكن حذفها بسهولة من وجدان المجتمع المصري)، ومع تركيز الأمن على حماية النظام على حساب الشعب فإن الشعب سيلجأ لأساليب أخرى للأمن (وهو ما يظهر جليا من خلال الارتفاع الكبير في كم الجرائم الانتقامية أو الدفاعية التي يقوم بها المواطنون بأنفسهم بدلا من توكيل الدولة بالقيام بذلك) وعلى الجانب الاستراتيجي سيبقي الوطن معرضا للخطر وفي حالة تهديد دائم لأمنه تمنعه من تحقيق أي تقدم حقيقي وعلى الصعيد الاجتماعي ستزيد الرقعة ما بين الشعب والدولة ويقل احترام الأفراد للدولة والقانون (يظهر ذلك جليا في تصرفات قادة السيارات على سلبيل المثال). أما الأخطر من ذلك كله فهو ازدياد الاحتقان الاجتماعي بسبب غياب القاسم المشترك الذي يجمع أبناء المختلف، ويساهم غياب الطبقة الوسطى في ازدياد حدة هذا الاستقطاب بين الطبقات الاقتصادية المختلفة.
وليس المقصود من هذه الورقة التقليل من أهمية دور رجال الأعمال في المشاركة في إحداث النهضة المطلوبة؛ فلإحداثها لابد من وجود مؤسسات اقتصادية قوية يقوم رجال الأعمال بتنميتها. وإنما المقصود من هذه الورقة هو التنبيه للنتائج الخطيرة المترتبة على تداخل التخصصات، وتحديدا تدخل رجال الأعمال بشكل مباشر في ادارة الدولة. هذا نذير عريان إلى القائمين على الحكم، وإلى الوطنيين المهتمين بالشأن العام. فإن غرق السفينة لا ينجو معه أحد، والحمد لله رب العالمين.
Friday, July 06, 2007
غسلت
هو الموضوع غريب شوية أنا عارف، بس دي أول مرة في حياتي أشغل الغسالة وأغسل
ربنا يخليهالي أمي في مصر، فعلا، يا عيني عالأم وحنان الأم
بس أبوظبي بقى حاجة تانية
بقالي كام يوم شايل هم الموضوع ده
وعمال أأجل،وكمان مفيش وقت أوي وأنا بتحجج بالموضوع ده
بس المضطر يركب الصعب
النهاردة اتخذت القرار، ونزلت اشتريت مساحيق غسيل،وأنا راجع من الشغل (أيوة النهاردة الجمعة وراجع الساعة 11، ظلم الرأسمالية بقا) وكلمت واحدة بتشتغل معايا أسألها أجيب مسحوق إيه، ورجعت على الأوضة قريت دليل المستخدم بتاع الغسالة، وحطيت الحاجات، وأهي شغالة دلوقتي،ادعولها بالسلامة
إن شاء الله لو الأمور مشيت كويس هكلم أمي أقولها
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار
النعمة الواحدة، لا تحصى
ملحوظة: أرجو ألا تدور التعليقات في هذا الموضوع حول نفس ما دارت حوله في التدوينات السابقة، وأتمنى أن تقتصر علي
1- التهاني بالغسيل الأول
2- الإطمئنان على حالة الغسيل بعد النشر
3- نصائح لمسحوق أفضل، نصائح حقيقية مش إعلانية من بتاعت جمع أربع أغلفة وابعتهم على ص.ب 109
4- أي حاجة تانية ليها دعوة بالغسيل، يعني الناس اللي بتغسل أموالها في تجارة مخدرات، الكلام اللطيف بتاع المزاج ده
5- نصائح للغسيل القادم، من حيث الكمية، الحاجات اللي تتحط مع بعض، والذي منه
6- أي حاجة تانية مالهاش دعوة بالإخوان ولا السياسة ولا عيلتي ولا ميكي ماوس البقال اللي كان جنب بيتنا وقفل مش عارف ليه
تحديث: الحمد لله، العملية نجحت، خلصت الغسلة الأولى بنجاح، عملت زي ما محمود سعيد قاللي بالضبط، نشرت:)
Tuesday, July 03, 2007
المستشار البشري...العقل الأكبر
أنا شفت كتير وقليل، بس مشفتش في حياتي إنسان في تواضع المستشار طارق البشري. المستشار البشري عنده من العلم والفهم للواقع أكثر من أي حد تاني، على الأقل أنا شايف كدة. وأنا أعتبر البشري فعلا أكبر عقل إسلامي معاصر، مع الاحترام والتقدير الشديدين للمفكرين الأجلاء جميعا
رجل بهذا القدر وهذه المكانة ممكن أفهم إنه يكون متواضع فمثلا يعامل الناس كما لو كان مثلهم، أو يلبي لهم طلباتهم، بس المستشار البشري يذهب أبعد من ذلك بكثير، فهو أولا إذا طلبت منه موعدا يعتذر بشدة إذا أجله إسبوعا لانشغال جدوله، وإذا طلبت منه شيئا سعى لمساعدتك فيه أكثر مما تسعى أنت لمساعدة نفسك
أذكر أن أحد الصحفيين الأصدقاء كان يكتب شيئا عن البشري، فأراد أن يقابله، فحكى لي بعد ذلك كيف أنه اضطر لإلغاء الموعد، وكيف أن المستشار كان ينسق معه موعدا آخر، ويعتذر إذا طلب الصحفي لقاء في موعد مشغول، يعتذر بحرج شديد وعلى أدب جم، حتى قال لي صديقي الصحفي (كنت عايز أقوله حضرتك اللي بتعمله ده بيحسسني إن أبويا وأمي معرفوش يربوني خالص، فبلاش الأدب والتواضع ده)
ذات مرة، من سنتين تقريبا، كان عندي معه موعد، وانشغل فأراد تأجيله، فاتصل بي في المنزل ولم يرد أحد فترك رسالة نصها: (السلام عليكم، أنا طارق البشري أنا بس عايز أعتذر للأستاذ إبراهيم الهضيبي عن موعدنا الأربعاء، يا ريت الاستاذ إبراهيم يتصل بيا علشان نرتب معاد تاني، أنا آسف جدا على الاعتذار المتأخر، السلام عليكم)
أنا كنت برة البيت، ولما أبويا رجع البيت وسمع الرسالة كلمني وقالي تعالى يا إبراهيم أنا عايزك، قلت له خير يا بابا، قاللي في حاجة غريبة أوي بتحصل، فضيلة المستشار البشري كلمك وسابلك رسالة يعتذر عن معادكو، وبيقول على نفسه طارق البشري، وبيقول عليك الأستاذ إبراهيم، في حاجة غلط أكيد)، طبعا بغض النظر عن موقف أبويا (اللي كان بيهزر) كلمات المستشار العفوية، في رسالة صوتية، تعكس مدى تواضعه المخجل الحقيقة
وبشاشة وجه البشري هي الأخرى حكاية لوحدها، فهو يبتسم ليظهر من وراء الابتسامة قلب صاف ونفس صافية قلت في هذا الزمان، بس ده مش غريب على واحد يقول عنه خال والدتي (الذي هو صديقه) إن ضميره حي وأخلاقه سليمة ومنضبطة لدرجة إنه إذا عرضت عليه قضية تحكيم، وقرأها ودرسها ثم لم يسترح قلبه لحق أي من الطرفين أعتذر عنها ولم يصدر حكما، على الرغم من إن ده المستشار البشري، يعني محدش هيراجع وراه، وعلى الرغم من الخسارة المادية المترتبة على ذلك
استقلاله في أحكامه مش حاجة جديدة، فالأستاذ الكبير الذي كان نائبا لرئيس مجلس الدولة كان دوما مستقلا، ولم تنجح أي ضغوط في التأثير عليه، فهو صاحب الحكم التاريخي بعدم أحقية الرئيس بإحالة المدنيين للمحكمة العسكرية في التسعينات، وهو صاحب الحكم التاريخي بشرعية قيام حزب على أساس إسلامي، وحيثيات الحكم تعتبر من أقوى الوثائق، وأعمقها
وهذه الاستقلالية لم تعن للمستشار البشري أبدا الاعتداد بالرأي، بل كان العكس هو الصحيح، فإذا ذكر الرجوع للحق، وجرأة الاعتراف بالخطأ، كان لابد من ذكر فضيلة المستشار طارق البشري، الذي كتب مقدمة وصلت لحوالي 80 صفحة للطبعة الثانية من كتابة (الحركة السياسية في مصر 1945- 1953) ينقد فيها ما كتبه في الكتاب، ومنهجيته في كتابة التاريخ، وقد حكى لي عن هذا الأمر في زيارة زرتها له، فلم يجد حرجا في أن يتحدث إلى من هو أصغر من أبنائه، فيعترف بخطئه، ويقيم نفسه، ويشرح لماذا كان يفكر بهذه الطريقة، لماذا تغير أسلوب تفكيره، إنه العلامة المتواضع طارق البشري.
لا أظن اليأس عرف طريقه لقلب البشري، بل إنه لم يكتفي برفض اليأس، فراح ينشر الأمل والرجاء، وليس الأماني، فكما يقول ابن عطاء الله السكندري: الرجاء هو ما قارنه العمل، وإلا فهو أمنية.
راح ينشر الأمل والرجاء بكتابات يوضح فيها الطريق، ولم يكتبها أبدا للشهرة أو لأن الكتابة وحسب، فقد زرته آخر مرة قبل أيام من سفري وقال لي أنه لم يكتب منذ أشهر 9 لأنه لا يجد جديدا يقوله، وليس من عادته أن يكرر نفسه، فلا فائدة ترجى من هذا، ويرى أن الوقت وقت التنظيم والعمل لا وقت الكتابة والكلام، وقد أختلف مع ذلك، ولكن تلك من دون شك رسالة قوية من البشري، ودلالة واضحة على أهداف كتابته.
وفي غير كتابته، فإن الأستاذ الكبير- أمد الله في عمره وبارك فيه- لا يكف عن بث الأمل في قلوب الاخرين، وسأذكر هنا موقفين، أولهما حين ذهبت إليه مرة وأنا محمل بالإحباط، من أحوالنا وأحوال البلد، ومن قبل ذلك من حالتنا الفكرية المتردية التي لا أرى معها أملا في الإصلاح، فاستمع إلى المستشار طويلا، وهو أعلم مني بصعوبة الوضع، ولكنه ابتسم بعد ذلك وقال لما سألته عن الحل، وقال (ضاقت فلما استفحلت حلقاتها، فرجت وكنت أظنها لا تفرج)، اشتدي يا أزمة تنفرجي، وقال (إنت عارف يا إبراهيم، من عشرين سنة تقريبا في شباب جم قعدو معايا واتكلموا في نفس الكلام ده) فسألت (وهم فين دلوقتي) فقال ضاحكا (اختفوا خلاص) ثم أضاف: بس أنا سعيد إنك بتتكلم في الأمور دي، ودي حلجة تعطي الأمل لا اليأس، لأن المشكلات التي تحدثت عنها لم تنته، ولما لم يأتني أحد من الشباب ليناقشني فيها خفت أن الشباب أصبح لا يرى هذه المشكلات أصلا/ ثم قال لي وأنا في طريقي للإنصراف وبعد أن شكرته على وقته واعتذرت للإطالة (والله يا إبراهيم أنا بفرح لما بشوفك، وبكون سعيد لما بشوف شباب صغير لسة محافظ على فكرته وهويته ووسطيته، ده في ذاته فشل للهجمة التغريبية اللي بقالها أكتر من سنة، فشل لأنها لم تنجح في جذبك أو وضعك في موقف دفاعي)
خرجت وقد أصبحت هذه الكلمات من أهم ماسمعت في حياتي، كلمات بسيطة ولكنها جد معبرة؛ الموقف الوسط، بين أن أنجذب إلى المشروع التغريبي، وبين أن أقف في موقف دفاعي فلا أصلح وضعي، ولا أقبل النقد، ولا أتقدم وأتطور
ذهبت إليه مرة وفي ذهني فكرة أريد أن أناقشه فيها، فلما انتهيت من عرضها ابتسم وقال: اكتبها يا إبراهيم، لا أدري لماذا لم أكن فكرت في كتابتها من قبل، ربما لأنني لا أظن أن بها جديدا يستحق أن يقال، المهم أنه أصر أن أكتبها، ثم عرضتها عليه، فأعطاني من وقته الثمين، وراجعها وناقشتها معه، ثم من علي بوقته وجهده مرة أخرى بأن أرسلها للنشر، وتحدث مع أحد الأساتذة الذين شرفت بمعرفتهم ليعرفني عليه ويطلب منه نشر المقال كل ذلك بدافع تشجيعي على عرض أفكاري وتطويرها، وهو لديه من المشاغل الكثير، لكنه تواضع العلماء، ورفق الكبار، وأخلاق المفكرين، ولهذا فعلى قدر حبي لأفكار المستشار وعمق كتاباته وتحليلاته فلا أزال أصر على أنني أحب فيه الإنسان قبل المفكر، وأنني أتمنى أن أتعلم منه الأخلاق قبل العلم، ولكن هذه لا تغني أبدا ن تلك
وقد رأيت كثيرا من الناس يحمل هموم الأمة في قلبه، فيتحرك لها بالدعاء، ويبكي الدمع لما يسمع بما يجري في الأماكن المختلفة، ولكني لم أرى من يحمل هموم الأمة في عقله مثل العلامة البشري، فهي شغله الشاغل، ولا يمكن لي أن أتذكر حديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) من دون أن أتذكر فضيلة المستشار البشري كمثال على من اهتم بأمرهم
دوره الفكري لم يمنعه من أداء دوره على الأرض لما اقتضت المصلحة ذلك، فشارك العام الماضي في وقفة القضاة الشرفاء، وكتب عنها في كتابه (مصر بين العصيان والتفكك) ما أبكاني لما قرأته، فأنا أشعر بأن لعقله قلب ينبض بالعاطفة، ولكنها عاطفة عقلية، لا عاطفة قلبية، فهي عاطفة تعي في باطنها الواقع، ومشكلاته، ولكنها لا تفقد الأمل فيما هو أفضل
عاطفة تذكرك بكلمة الإمام البنا (ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة)
من أجمل من كتب المستشار البشري (الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر)، و(ماهية المعاصرة)، و(منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي)، و(الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي)، و(استقلال القضاة) و(مصر بين العصيان والتفكك)، و(الحركة السياسية في مصر 1945-1953، الطبعة الثانية) الذي لازلت أقرأه، و(بين الإسلام والعروبة)، وغيرها من الكتب القيمة، بالإضافة لمقالاته في المجلات والمواقع المختلفة
المستشار البشري هو رجل بأمة، ولن يعترف أبدا بذلك لتواضعه
ولو كتبت مجلدات عن البشري فلن أوفي حقه علي، فضلا عن أن أوفي حقه على الأمة
ولكن أقل القليل هو أن أدعو بأن يبارك الله في عمره، وأن ينفع بعلمه وجهده، وأن يوفقه للخير، وأن ينفع به تلامذته ، ويوفقهم للتعلم منه، وأن يجزيه على جهده ووقته الخير كل الخير...اللهم استجب
Thursday, June 28, 2007
أستاذي، الدكتور عماد
أصحاب الفضل علي كثيرون، أحاول تذكرهم في دعائي دائما، ولكن لكثرتهم فقد أتذكر بعضهم أحيانا، وقد أنسى بعضهم، ومن هؤلاء الذين لا يمكن أن أنساهم، بل وربما على رأسهم، أستاذي الدكتور عماد شاهين، استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، والأستاذ الزائر بجامعة هارفارد
مش عارف أكتب إيه، لأن الدكتور عماد مش ممكن حد (وخصوصا أنا) يوفيه حقه بالكتابة، تعرفت عليه بعد سنة تقريبا من التحاقي بالجامعة، وده مكنتش عن طريق محاضرات ولكن عن طريق طلبة كان بيدرسهم وكانوا طول النهار اللي على لسانهم الدكتور عماد قال الدكتور عماد بيقول
بعد كدة التقيته في نموذج مجلس الشعب في الجامعة، وهو كان المشرف الأكاديمي على النموذج، وكتب لي بعد المؤتمر كلمة لازلت أحتتفظ بها، وقد كانت أول تعارفي به، قال فيها:
الأخ العزيز إبراهيم الهضيبي، كنت ومجموعتك خير تمثيل لما تؤمن به بأسلوبك الهادئ وحسن أخلاقك، أسأل الله أن يوفقك ويرشدك، عماد الدين شاهين
أكاديميا
حضرت له محاضرة عن الحركة الإسلامية ولم أكن أدرس معه وقتها، وكانت على ما أذكر محاضرة في فصل الصيف، فلما استأذنته للدخول رحب بي أشد الترحيب، وقد كنت متربصا بعض الشيء في الحقيقة، فلما استمعت لما قاله في تعريف الحركة الإسلامية وما إلى ذلك ظللت أفكر في هذا الكلام شهورا، ولا أزال متأثرا به أشد التأثر، وقد كانت تلك المحاضرة علامة فارقة في حياتي من دون شك، نقلتني من الارتباط العاطفي بالحركة الإسلامية (اللي ناس كتير مش واخدين بالهم إنه عاطفي، الارتباط الطبيعي يعني) إلى الارتباط العقلي بالحركة الذي لا ينفي الارتباط العاطفي ولكنه يعمقه ويرسخه، ويرشده
بعد ذلك توطدت علاقتي به من خلال المحاضرات والمواد التي درستها معه، خاصة مادتي (الاقتصاد السياسي لبلدان الشرق الأوسط)، و(الحركات الإسلامية المعاصرة)، ولازلت أذكر المحاضرة الأولى لمادة (الحركات الإسلامية المعاصرة) والتي درستها معه في صيف 2005، وكان عدد الطلبة حوالي 15 نصفهم من العرب والمسلمين ونصفهم من الغربيين، فجلست على المقعد المجاور لي طالبة مكسيكية، وطلب الدكتور منا أن يتحدث كل عن سبب تسجيله هذه المادة، وعما يتوقعه من المحاضرات، فتحدثت المكسيكية قبلي وقالت إنها تعمل في مجال المكافحة الدولية للإرهاب، وتريد أن تعرف أكثر عن الحركات الإسلامية، وبالتالي فهي تظن أنها في المكان المناسب، فضحك الدكتور عماد وهو ينظر إلي قائلا: إنتي في المكان المناسب بالضبط، ثم قال بالعربية: اتفضل يا إبراهيم، فضحك العرب في الفصل، وعرفت أنا نفسي فقلت إنني أرغب في معرفة المزيد عن تجارب الحركات الإسلامية ومفكريها ومشكلاتها
من كلماته التي لا يمكن أن أنساها خلال محاضرات هذه المادة:
الفروق بين التيارات الوسطية والتيارات المتطرفة ليست فروقا في الوسائل والإجراءات، ولكنها فروق في المناهج والأيديولوجية
المشكلة الأساسية للإخوان هي أنهم فشلوا في التحول من تيار إسلامي رئيسي إلى تيار وطني رئيسي
الإخوان في مصر يجب أن يعوا أن تجربتهم مختلفة، وأنهم لا يجب أن يفشلوا، لأن فشلهم سيكون كارثة للحركة الإسلامية كلها، فيجب دائما أن يحافظوا على الهدوء والمرونة في حركتهم
الحركة الإسلامية هي الأصل في البلاد العربية، ولا يمكن فصلها عن الطبيعة المكونة للمجتمعات الإسلامية
ولا يمكن أن أنسى تعريفه للفارق بين الشريعة والفقه، ولا رؤيته لدور الإجتهاد ومجالاته ومقاصد الشريعة ومكانتها ودورها في التشريع
في نهاية الكورس طلب الدكتور من كل منا أن يقوم بعمل دراسة عن الحركة الإسلامية في بلد من البلدان لعرضها على الفصل، فطلبت منه أن أقوم بدراسة الحركة الإسلامية في مصر (وكانت تشمل الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية) فقال: فكر برة الإطار دة شوية يا إبراهيم، أنا هعمل مصر، وإنت تركيا،
فكانت دراستي للحركة الإسلامية في تركيا سببا في أن أطلع على تجربة مختلفة، ولازلت إلى الان شديد الإعجاب بالتجربة التركية، وكان كتابه القيم
(الصعود السياسي: الحركات الإسلامية المعاصرة في شمال إفريقيا
Political Ascent: Contemporary Islamic Movements in North Africa)
دليلي للحركات الإسلامية في شمال إفريقيا، وبه أيضا من الدروس والتجارب ما لا يصح لعقول الحركات الإسلامية تجاهله، من باب (أفلم يسيروا في الأرض فبنظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم)
تعرفت خلال دراستي لهذه المادة، ومن خلال ما كنا نقرؤه، على مجموعة كبيرة من المفكرين الإسلاميين، الذين قد يختلف المرء معهم أو يتفق، ولكن تخطي إسهاماتهم من دون الوقوف عندها والاستفادة منها هو نوع من العبث، ويؤخر الكثير الكثير، منهم راشد الغنوشي، وحسن الترابي، والخميني، وعلي شريعتي، بالإضافة طبعا للبنا وسيد قطب والمودودي
ولا أنسى إشارته للفارق الكبير بين أفكار البنا وقطب، وكون قطب أكثر تأثرا بأفكار المودودي منه بأفكار البنا وأساتذته رشيد رضا، ومحمد عبده وغيرهم ممن تعرفت على فكرهم أكثر من خلال محاضراته
ولا أنسى كيف أنه كان يختلف بشدة مع أفكار سيد قطب، ويراها خاطئة وخطيرة، ولكنه كان يكن له كل الاحترام، ويلتمس له الأعذار في ما كتب بسبب ما تعرض له من تعذيب، ولكنه يعود ويقول أنها أفكار بعيدة عن فكر الإخوان، وأن الإخوان رفضوها بكل وضوح في كتاب (دعاة لا قضاة)، ولكنهم لم يكونوا ليمنعوا مفكرا من أن يقول رأيه، لأن ذلك ليس من منهجهم
وفي مادة أخرى درستها معه تحدث معنا في المحاضرة الأخيرة عن الهوية، وكان عدد الأجانب من الطلبة لا بأس به، ولكنه عندما تحدث عن الهوية، وعن الوسطية في الهوية، وكيف أنه يجب على كل إنسان أن يبحث عن الأصول المكونة لذاته وهويته، ويفهمها ويقتنع بها، ويميز بينها وبين غيرها من مكونات الهوية، وإلا صار إما انطوائيا منغلقا، وإلا مسخا، أو neither nor كما قال الدكتور في الفصل، يحاول ترك هويته والبحث عن هوية بديلة، فينتهي به الحال أنه بلا هوية، وميز الدكتور بين هذا الموقف، وموقف من انطلق بعد أن فهم أصول هويته يبحث عن الأفضل من مكونات الهويات الأخرى، فيصل إلى أفضل الأماكن، كانت كلماته عميقة وواضحة حتى صفق له الجميع في المحاضرة
كنت أختلف معه حين يقول أن أتاتورك كان له فضل على النهضة الصناعية التركية، فأتاتورك بالنسبة لي كإسلامي هو الشيطان الأكبر، ولكنني عندما اراجع نفسي، وأقرأ في النهضة الصناعية التركية بإنصاف أجد أن أتاتورك كان فعلا صاحب فضل في هذا الأمر، وقد تعلمت من القرآن (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)، وتعلمت من الحديث أن (الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها)، وتعلمت من شيوخي أنه لا يوجد شخص سيء بالمطلق، ولا يوجد شخص صالح بالمطلق، فكل – كما قالوا يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات مرة، قال كلمة عابرة في وسط محاضرة من محاضراته؛ قال أنه عكف سنوات (لا أتذكر كم عددها) على قراءة كل ما كتب رشيد رضا، كل حرف كتبه رشيد رضا فعلا، حتى يستطيع أن يكون رؤية واضحة عن أفكاره ورؤيته للغرب، وهو موضوع رسالته في الماجيستير، ذهبت بعد المحاضرة إلى المكتبة واستعرت رسالته المطبوعة في كتاب عنوانه: عبر عيون مسلمة: رشيد رضا والغرب
Through Muslim Eyes: Rashid Rida and the West
وهو كتاب عدد صفحاته لا يتجاوز 150، ولكنه من العمق والفهم اللا محدود، وكيف ولا وقد قرأ الرجل الاف الصفحات وأكثر من كتب رضا وسيرته حتى يخرج 150 صفحة من خلاصة فكره؟ تعلمت من هذا الموقف ألا أحكم على فكر شخص من خلال ما قاله بعض الناس عنه، أو من خلال قراءتي لسيرته (فالسيرة شيء والفكر شيء آخر، إلى حد كبير على الأقل) ولا من خلال قراءة مقال أو مقالين، وإنما من خلال قراءة عميقة ومتأنية لحجم معقول من أعماله التي كتبها حول موضوعات مختلفة، وفي أوقات مختلفة، وقد فعلت ذلك بعدها مرات ثلاث، مع الأستاذ الإمام محمد عبده، والأستاذ سيد قطب، والأستاذ مالك بن نبي، وفي الحالات الثلاث (والتي قرأت فيها أعمالهم بنسب متفاوتة ولكنها كبيرة) أستطيع القول أن ذلك اثر على فهمي لهم كثيرا، وبالتالي من إبداء رأي أكثر موضوعية في آرائهم، وأنه مكنني من فهم أمور كثيرة متعلقة بواقع الحركة الإسلامية المعاصرة من خلال فهمي لأصولها الفكرية عن هؤلاء
أستاذا وإنسانا
والدكتور عماد مش بس أكاديمي متميز، هو أيضا أستاذ متميز، عنده علم مش قليل، ولكنه دائما على استعداد للتنسيط ثم التبسيط ثم التبسيط لكي يفهمه الطلبة، كان يقول لنا في بداية المحاضرات محفزا على المشاركة والاختلاف معه في الرأي: استفزوني بالأسئلة، فأنا أدرس أفضل حين يستفزني أحد
حسه الفكاهي في عرض الواقع السياسي المصري يضيف إلى محاضراته بعدا إنسانيا رائعا
أشار مرة إلى انقطاع الصلة بين الصحف الحكومية والواقع، وأعطى على ذلك أمثلةعدة، ثم بعدها وفي نفس المحاضرة أشارت إحدى الطالبات إلى أنها كانت في السعودية وقت وقوع مجموعة من الإنفجارات الإرهابية هناك ولكنها لم تعلم عنها شيئا، فقال بتلقائية: أكيد كنتي بتقري الأهرام هناك
كنت كلما ذهبت لأسأله على الدرجات بعد الامتحانات يقول مازحا: بصراحة يا إبراهيم مخبيش عليك أنا معنديش وقت أصلح، فأنا هقف على السرير وأرمي الورق، اللي هيقع فوق ينجح واللي يقع تحت يسقط، وإذا قابلته بعدها قال: ماشية معاك الورقة وقعت على السرير، هذا مع العلم أنه شديد الدقة في التصحيح، فهو يخصم نصف الدرجة وربعها إذا استلزم الأمر
ومكتب الدكتور عماد مفتوح على طول، وقد كنت أقضي به وقت طويل أثناء دراستي بالجامعة، فأحيانا أتحدث إليه، وأحيانا يطلب مني سؤالا سريعا لامتحان سريع يعطيه للطلبة في مادة درستها معه من قبل، وأحيانا يعمل بينما أطالع أنا المكتبة، ولكثرة ما أخذه الطلبة من كتب مكتبته ولم يعيدوه وضع ورقة على المكتبة يقول فيها: فمحبوبي كتابي، فهل أبصرت يوما محبوبا يعار؟ ومع ذلك فقد كان يعيرني الكتب قبل أن أطلب أنا استعارتها، كنت إذا ناقشته في موضوع يعيرني بعض الكتب التي تناقشه برؤى مختلفة، وكان لذلك عميق الأثر في أن أرى وجهات النظر والرؤى المختلفة المتعلقة بتلك الأمور
وفي مكتبه كذلك دارت مجموعة من النقاشات التي أثرت كثيرا في إسلوب تفكيري، وفي حجم إدراكي، فهناك التقيت طلبة من الجامعة من الاتجاهات المختلفة كلهم يحبون عماد شاهين الإنسان والأستاذ، والتقيت بمجموعة من أصدقائه المثقفين الذين سعدت بالتعرف عليهم ومناقشتهم والتعلم منهم، والتقيت بمجموعة من طلبته ممن حضروا له محاضرات أو ندوات، وهم من جامعات مختلفة، لن أنسى منهم الشيخ محمد طالب اللغة العربية بالأزهر، والذي سافر بعد ذلك في منحة إلى الولايات المتحدة، وكان الشيخ محمد كثير الحديث بالإنجليزية، وكنت أعتب عليه ذلك في حواراتي معه، فتدخل الدكتور عماد مرة وقال: والله يا عم الشيخ إنتا شكلك هتعمل زي الطهطاوي، هتسافر أمريكا تنبهر، وتتجوز واحدة أمريكانية، وتكتب كتاب عن وصف أمريكا، بس يا ريت يا شيخ متنساناش وقتها بس،
كل واحد من هؤلاء الذين رأيتهم في مكتب الأستاذ يشعر أن الدكتور عماد أبوه أو أخوه، فهو يساعده وينصحه ويقومه
المكتب المجاور لمكتبه هو مكتب الدكتور وليد قزيحه، رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة، وواحد ممن تعلمت على أيديهم الكثير، وقزيحة هو استاذ الدكتور عماد الذي درسه خلال فترة دراسته بالجامعة، والدكتور عماد هو نموذج لاحترام الطالب لاستاذه، فعلى الرغم من اختلاف أرائهما، فالدكتور عماد شديد الحرص على تلبية كل ما يطلبه الدكتور وليد، ولا يمر الدكتور وليد من أمام مكتب الدكتور عماد أو يدخله إلا وقف الدكتور عماد لتحيته، وسأله عن صحته وعما إذا كان يريد شيئا، وربما مازحه، وفي أحد الفصول الدراسية كانت عندي محاضرة مع الدكتور عماد، بعدها بساعتين محاضرة مع الدكتور وليد، وكنت أقضي المدة بين المحاضرتين في مكتب الدكتور عماد، وكان دائما ينبهني لأن أدخل إلى المحاضرة التالية قبل الدكتور وليد
وتواضع الدكتور عماد فعلا يضايقني، لأن تواضعه يشعرك بأنه فعلا لا يعرف قدره وقيمته، فهو قد تم اختياره من طلبته كأفضل أستاذ في الجامعة، ونال جائزة تدريسية أخرى من هارفارد، وكبار الأكاديميين في مجالات الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط والإسلام السياسي يعتبرونه (الخبير) في هذا المجال، ومع ذلك أتذكر أنه أكثر من مرة طلبت منه قنوات فضائية عمل مقابلات حول قضايا متعددة وكان يرفض، ولما أسأله عن السبب يقول: يعني هقول إيه؟ أنا معنديش حاجة متميزة أقولها، هكذا بمنتهى التواضع، حتى كنت أقول له: يا دكتور حرام عليك، لو حضرتك مش هتتكلم بإنصاف حد غير حضرتك هيتكلم بدون إنصاف، فكان هو بعد ذلك يذكرني بهذه الكلمة كل فترة
الأخ والصديق
كل هذا كان عن الدكتور عماد الذي يعرفه طلابه، ولكني لا أزال أريد الكلام عن الدكتور عماد الذي أعرفه أنا، وقد حرصت على أن تمتد علاقتي به بعد الجامعة، فأذكر أنه في آخر فصل دراسي لي بالجامعة كان الدكتور قد سافر للتدريس في هارفارد، وكان أكثر ما يحزنني أن مكتبه كان مغلقا، فكنت أمر عليه في الطريق إلى المحاضرات، وأتذكر الدعاء لأستاذي وأخى الدكتور عماد
لن أستطيع أن اكتب كثيرا، لأن مواقفي الشخصية معه لا يصح نشرها بدون إذنه، وهو لن يأذن لأنه لا يحب أن يكتب عنه أحد
ولكن لن أنسى أبدا أنه لايزال حريصا على الاتصال بي من أمريكا على فترات متقاربة للتواصل معي، وأنه لا يزال أحرص الناس (أو أحد أحرص اثنين، ثانيهما الباشمهندس خيرت) على أن استكمل دراساتي العليا في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي
ولا يمكن أن أنسى حرصه على أن أحضر معه المؤتمرات والندوات، وسعيه لذلك، وكيف كان يعتذر لي عن خطأ هو غير مسؤول عنه أخر وصول دعوة لي للحصور لأحد المؤتمرات قبل شهر فلم أتمكن من الحضور
والدكتور عماد دائما ينصحني وقتما أحتاج للنصيحة، وهو دائما يقومني وقت الغضب، ويبث الأمل وقت اليأس، خاصة مع الأوضاع الراهنة في مصر، وبصراحة (يؤدبني) وقت النرفزة، وهو شديد الحرص على ألا أفقد تركيزي فيما أجيد، أو فيما يرى أنني أجيده، وهو الكتابات الفكرية
وقد كان في الجامعة يقرأ مقالي الإسبوعي في مجلة الجامعة ويعلق عيه، وقال لي مرة: إنت بتاع المعنى اللي يوصل في كلمتين، متبطلش تكتب مقالات، أتذكر أنه قال لي هذه الكلمات ونحن في منزله بالساحل الشمالي بعد انتهاء الفصل الدراسي، نتحدث وقت الغروب عما يمكن القيام به لبناء مصر أفضل، فلا أظن أحدا اهتم بهذا الموضوع كاهتمام الدكتور عماد، ولا تزال نصيحته تلك تمثل دافعا كبيرا لي للكتابة، وقد أعادها مرة أخرى قبل أيام في حوار دار بيني وبينه عبر الإنترنت، عندما طلب مني أن أعطي المزيد من الوقت للكتابة، وسأفعل ذلك إن شاء الله
ذات مرة بعثت له مجموعة من الإيميلات فلم يرد، فقلقت واتصلت به فلم يرد، ثم اتصل هو بي في اليوم التالي، وأخبرني بأنه كان مريضا بسبب الإرهاق، فلما طلبت منه أن يرتاح قال أنه لن يرتاح حتى يشعر أنه قدم شيئا للبلد، أتذكر كم صدمتني تلك الكلمة، لأنه بالفعل قدم الكثير، من طلبة (صنعهم) وعلمهم ورباهم، لمراجع شارك في كتابتها، لأفكار كتبها وحلقت في سماء المعرفة، ولكنه التواضع
والان وبعد أن سافرت أدركت ما كان يقوله الدكتور عماد حين يحدثني من خارج البلاد فيقول: أنا عايش في أمريكا وقلبي في مصر، وحاسس إنني مشلول علشان مش عارف أعمل أي حاجة للإصلاح في بلدي وأنا في الخارج، مع العلم بأنه كان يعمل الكثير
عشرات المواقف الأخرى أذكرها، وأتذكر المزيد في كل ثانية، ولكن لا بالقلم (ولا بالكيبورد) أستطيع أن أوفي أستاذي حقه، ولا أستطيع أن أكتب من المواقف الشخصية من دون إذنه، ولكن يكفي القول أنني لم أجد شريفا من أي من التيارات المختلفة إلا ويحب الدكتور عماد، على الرغم من أنه قد يكون مختلف معه فكريا بوضوح، ولكنه مدرسة حقيقية، تتعلم منها العلم والأخلاق
كلماته ونصائحه دائما بسيطة وواضحة، حتى تظن معها أنها غير كافية أو غير عميقة، ولكن الحقيقة على عكس ذلك تماما، فهو يؤمن –كما كان يعلمنا في المحاضرات- أن التعقيد المبالغ فيه ليس شيئا جيدا، وبالتالي فهو يصل إلى قلبك وعقلك بفكرة بسيطة من كلمات معدودة منها:
الحل ليس الان، ولكنه يبدأ الان بإعداد كوادر قادرة على التعامل مع الواقع وفهمه والتواصل مع الناس بشكل جيد والتخاطب مع العالم بلغته
وأنا في الحقيقة أكتب الكلمات ثم أمحوها لخصوصيتها، ولكني لا أستطيع أن أنساه في الدعاء
هذا هو رابط أحد مقالات الدكتور عماد
الدكتور عماد الان في مصر، في أجازة، وأنا الان خارج مصر، ولكن بإذن الله سأعود لأراه قبل أن يسافر،
يا رب...بارك للدكتور عماد، واجزه عما يقوم به للأمة الخير كل الخير
Wednesday, June 27, 2007
لن أكتب تدوينة حماس
أولا جزى الله خيرا كل من سأل عني أو أرسل تعليقا أو تذكرني في دعائه خلال الأيام الماضية، وأسأل الله الكريم أن يتقبل من الجميع، وأن يجزيهم عني خيرا
المهم بقة، أنا بعد شوية تفكير قررت ألا أكتب التدوينة التي كنت قد وعدت بها والمتعلقة بحماس وما يحدث الان في الأراضي المحتلة، وذلك لعدة أسباب
أولا بصراحة أنا حاولت أكتب التدوينة، وبعد أول كام سطر حسيت أني مش عارف أكتبها، علشان أنا عارف إن الموضوع للأسف حساس جدا بالنسبة للكثيرين، وللأسف تعلمت من تدويناتي السابقة أن قدرتنا على تقبل (رأي مختلف) في مثل هذه القضايا ضئيلة جدا جدا،وعلشان كدة كنت بفكر كتييييير أوي قبل كل كلمة بكتبها الناس ممكن تفهمها إزاي، وتفسرها إزاي، وتتقبلها ولا لأ، علشان بصراحة أنا مش قادر أدخل في حالة دفاع عن النفس تاني
ودا أمر غير أخلاقي في الكتابة، يعني مش ممكن أكون بكتب علشان الناس تتقبل، ومش ممكن أكون (بأيف) وجهة نظري لترضي القراء
في الموضوع ده تحديدا حصل إختراق لمساحتي الخاصة، المساحة التي تفصل بين عقلي والكيبورد، من قبل أخوة يرون حماس (ملائكة لا يخطئون) ومن ثم فمجرد نقدهم كارثة
الحقيقة أنه لم تتم مناقشة أي من الأفكار التي طرحتها
تمت مناقشة شخصي، ونيتي في الكتابة، وغروري، بل وأسرتي وأجدادي (للمرة الثالثة في شهرين)، وعلاقتي بهم ومدى تأثري بهم، وتلك مساحة بعيدة عن البعد عما طرحته، وهي مساحة شخصية وخاصة جدا، ولا علاقة لها بما أكتبه وأدونه، وقد كنت أفضل أنني كما آثرت عدم الخوض فيها أن يحترم القارئ خصوصيتي في هذا الأمر
وعندما أكتب في هذا الضغط، فإن جزءا من الكتابة سيذهب في محاولة شرح حسن النية من الكتابة، وهو نوع من النفاق وتملق القارئ أراه بعيدا عن الأخلاقية في الكتابة
والخيار الثاني (وهو الذي اخترته دائما) هو أن أكتب ما أراه، وأتحمل نتيجة ردود الفعل
وبصراحة، وفي ظل الضغط الذي أعيشه من القضية نفسها أصلا، ومن مجريات الأمور من حولنا، لا أظنني أقدر على ذلك
أنا عارف إن اللي أنا بعمله غلط، وعارف إنني المفروض أكتب
بس أنا فعلا مش قادر على القرف
يعني مرة جريدة زي روز اليوسف المشبوهة تاخد الكلام وتأوله على أنه هجوم على الإخوان، ومرة بعض الإخوة يقوموا بالأمر نفسه
اللي بيحصل دة هو تحديدا اللي سميته قبل كدة (عسكرة ساحات الفكر)وده أمر مدمر لأي جد بيحاول يفكر
متفهمونيش غلط،مش معنى الكلام ده إني مش هدون في أمور بنفس درجة الحساسية بعد كدة، بس اليومين دول هدون عن أمور أخرى، خاصة أن هناك من يقوم بفرض الوقت، أو النقد الذاتي في هذا الأمر، ومنهم عبد المنعم محمود ومجدي سعد وغيرهم
السلامو عليكو
Friday, June 01, 2007
لسة
قضايا الحريات لا تعرف التجزئة
مش ممكن نشعر بالحرية إلا إذا شملت الجميع
مش ممكن أشعر إن أنا حر إذا كان هناك من سلبت حريته
لو لم يكن ادراكا لأهمية الحرية كقيمة تصنع الإنسان، الذي ميزه خالقه على غيره من المخلوقات بأن جعل له العقل
وحرية الإختيار (وهديناه النجدين) والتي يحاسب على خياراته فيها
لو لم يكن لهذا السبب، لكان لسبب آخر، وهو أن الحرية لو منحت لبعض السجناء السياسيين دون الجميع فهي ليست حقيقية لأنها تعبر عن تكتيك سياسي في الإفراج عن البعض بسبب المعادلات السياسية، وبالتالي فقد نكون نخن خارج السجون اليوم، ويكون غيرنا خارجها غدا، ونأخد نحن أماكنه بالداخل
أقول هذا كله لأن سعادتي بخروج أخي عبد المنعم محمود من المعتقل كادت أن تنسيني أن القضية ليست قضيته وحده، أقول كادت لأنني لم أتذكر ذلك إلا في السطر الأخير من التدوينة التي كتبتها وقتها
كانت صحفية قد سألتني أسباب الإفراج عن منعم، فقلت لها أن السؤال لا يجب أن يكون لماذا أفرج عنه، بل لماذا اعتقل، لأن منعم مكانه ليس أبدا السجن
الأمر نفسه ينطبق على كل المعارضين السياسيين الشرفاء المسجونين، والذين يواجه بعضهم محاكمات عسكرية أقل ما توصف به أنها ظالمة، وواجها البعض الاخر منذ أشهر ويقبع بسببها في السجن، وبعضهم واجه محاكمة يفترض أنها مدنية، تم اختيار قاضيها بعناية (وهو نفس القاضي في الحالات كلها) ليواجه أيضا عقوبة السجن
الحقيقة كما قلت من قبل أن الإفراج عن منعم لا يجب أن ينسينا (وأنا متأكد أنه لن ينسي منعم) أن الطريق مازال طويلا، وأن السجن به من المعتقلين المظلومين من نتفق معهم في المنهج والرؤية (كمعتقلي الإخوان سواء المحالون إلى المحكمة العسكرية أو غيرهم) ومنهم من أختلف معه في المنهج والإسلوب والرؤية، ولكني أدافع كذلك عن حقه في الحرية، لأن الخلافات الفكرية لا يجب أن تحسمها المحاكم أبدا، ومن هؤلاء طبعا كريم عامر
لسة الطريق طويل
لسة في 20 ألف معتقل في مصر مسجونين بدون أحكام قضائية
لسة في عشرات حالات التعذيب، والفيديو ده إللي عملاه هيومان رايتس واتش يشير إلى بعضها
لسه في صحف ممنوعة، مثل صحيفة الشعب لحزب العمل، اللي هو كمان مازال مجمدا رغم صدور الكثير من الأحكام القضائية لصالحه
لسة في أربعين إصلاحي مصري (هما إخوان ولكن ليست القضية كونهم إخوان ولا لأ، القضية أنهم يدافعون عن أبناء هذا الوطن وحقوقهم) يواجهون محاكمة عسكرية، وجلستها القادمة يوم الأحد، وهناك وقفة احتجاجية ومؤتمر جماهيري حاشد غدا في نقابة الصحفيين، أرجو من الجميع الحضور والمشاركة، وأولهم إن شاء الله منعم
لسة طلبة الجامعات بيعانوا من خنق أمني كبير لهم في جامعاتهم لا يمكنهم من التعبير عن آرائهم، وتنمية قدراتهم على المشاركة في عمل سياسي سلمي في ظل جو من التسامح يقبل بالاختلاف ويوظفه ويتعامل معه بإيجابية
لسة النظام بيحارب الحق الدستوري للشعب المصري في التظهر والتجمعات السلمية للتعبير عن الآراء السياسية، النظام لسة بيحارب هذا الحق ويقيده
لسة واحد زيي وهو بيكتب الكلام ده بيحس إنه بياخد مخاطرة، وأنه من الممكن أن يؤاخذ أو بفقد حريته بسبب هذا الكلام، لسه العساكر بتوع الأمن المركزي ماليين ساحات المظاهرات، وضباط أمن النظام (مش عارف لماذا تسمى أمن الدولة) متواجدين وبكثافة في عقول الكتاب والمفكرين، يمنعوهم من حرية التفكير، وحرية التعبير
لسة العمال بيتظاهروا كل يوم علشان حقوقهم، ومحدش بيسمع غير كل فين وفين، ومنظمي الاحتجاجات بتعرضوا لمشكلات لا حصر لها مع الأمن، لأنهم يدافعون عن حقوق العمال
لسة مقالات الأستاذ فهمي هويدي بتتمنع من الأهرام، ولسة بيعتبروا الإخوان جماعة محظورة، ولسة صور الرئيس دائما في الصدارة، ولسة الرئيس دائما هو الحكيم، وهو دائما على حق، وأي أحكام قضائية يرتاح لها النظام تظهر في صفحات الجريدة الأولى، وأي قرار لا يرتاح له يختفي، وقد يظهر من أصدره في صفحة الوفيات، ولسة في برنامج قذر اسمه حالة حوار، ولسة المذيع اللي اسمه تامر بتاع البيت بيتك موجود يهاجم كل ما لا يحبه النظام، ويمجد ويعظم في آلهة النظام، يعنس لسة الإعلام ليس حرا
لسة الوزراء غير المرغوب فيهم موجودين، والوزراء اللي الناس بتحبهم بيمشوا، وكذلك المحافظون، ولسة التغيير الوزاري ليس للشعب علاقة به سواء في توقيته أو في اختيار أشخاصه، أو حتى معرفة معايير هذا الاختيار، بل هي كلها (ظواهر طبيعية) كما أشار أحد الكتاب لا أتذكر من هو، يعني لسة الشعب المصري كله مقهور، ولا يشارك في القرارات السياسية، ولا في اختيار ممثليه
لسه طريق الحرية طويل
يبدأ غدا برفض المحاكمات العسكرية
ولا ينتهي إلا بعد انتهاء كل المشكلات التي أشرت إليها
لا ينتهي حتى تكون مصر كلها...حرة
كما تعلمنا في النشيد الوطني
مصر أنتي أغلى درة
فوق جبين الدهر غرة
يا بلادي عيشي حرة
واسلمي رغم الأعادي...أو قل، رغم الإستبداد
Thursday, May 31, 2007
Tuesday, May 29, 2007
الإسلام هو الحل...ومصر لكل المصريين
كنت أنوي التعليق على تدوينة مجدي سعد الخاصة بالشعار الانتخابي، والتي طرح فيها شعار مصر لكل المصريين بديلا لشعار الإسلام هو الحل
والحقيقة إن أنا فعلا كنت كتبت تعليق، ولكن كنت مستعجل وقفلت الكمبيوتر قبل نشره، على أمل نشره في وقت لاحق
ثم لاحقتني اليوم تليفونات وإيميلات من صحفيين تسألني عن حقيقة ما نشرته المصري اليوم عن وجود تمرد بين شباب الإخوان بسبب الشعار الانتخابي الذي يرفضونه، مستدلة على ذلك بما نشره مجدي
وأنا كنت في الشغل، وأنا أصلا خارج مصر حاليا
فلما عدت لحجرتي قرأت ما نشرته المصري اليوم، وشعرت بأن الجريدة- بصراحة -تصطاد في الماء العكر
ذلك لأن هناك فرق كبير بين الحديث عن خلافات في الرأي في إطار نفس المدرسة الفكرية، وهي خلافات صحية مفيدة دائما، وبين التمرد والانشقاقات التي أشارت إليها المصري اليوم، مع العلم بأني لا أعتقد أن الانشقاقات هي بالضرورة ظاهرة غير صحية
وحقيقة الأمر أنني كنت خلال تواجدي بمصر قد ناقشت هذا الأمر مع أستاذي الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين
وطرحت عليه فكرة تغيير الشعار، وناقشني في هذا الأمر بصدر رحب، رغم اختلافنا في الرأي، وقد استمع إلى وجهة نظري، واستمعت أنا إلى وجهة نظره، وتفهم كل منا وجهة نظر الآخر من دون أن يقتنع بها بالضرورة
وقد تناقشت أيضا خلال نفس الزيارة مع أخي مجدي سعد حول موضوع الشعار، وذلك قبل أن يكتب هذا الأمر في مدونته
والحقيقة أنني أجدني أقرب لما طرحه مجدي
وأنا هنا أشير لهذه النقاشات لأدلل على أنه لا توجد انشقاقات ولا تمرد ولا شيء من هذا القبيل
كل ما هنالك أن هناك خلافات في الرأي، وهي خلافات صحية، وكلها في صالح الفكرة والتطوير
وأنقل هنا كلمة قالها لي د. حبيب في نهاية الحوار: لو كان رأينا كلنا زي بعض يبقى إحنا عندنا مشكلة كبيرة، فهذا التنوع مثري ومطلوب، وهو الذي يساعدنا ببركة الشورى على الوصول لأفضل النتائج وأصوب القرارات، لأن كل واحد يرى الموضوع من وجهة نظره، والمجموعة عندما تتناقش فهي ترى الموضوع من أبعاد مختلفة
وقد صورت الجريدة الخلاف كما لو كان خلافا بين أجيال، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك
فمن يقرأ التعليقات على تدوينة مجدي يرى أن الكثير من (جيل الشباب) متمسكون بشعار الإسلام هو الحل، وأنا أعلم أن هناك من الأجيال الأخرى من لا يتمسك بالشعار بهذه الدرجة، وهناك من يرى تغييره
فهي قضية اختلافات وتنوع في الرأي وليست قضية خلافات أجيال
بعد المقدمة الطويلة أوي دي، ممكن أطرح مجموعة من النقاط السريعة
أولا: الشعار
الشعار الانتخابي هو وسيلة لإيصال مجموعة من المعاني لناخبين خلال أي انتخابات، وهو بالتالي لا يمثل بالضرورة كل البرنامج الانتخابي
وليس مطلوبا أن يكون كذلك
فشعار الرئيس مبارك مثلا في حملته الانتخابية كان القيادة والعبور للمستقبل، وشعار نعمان جمعة رئيس حزب الوفد وقتها كان معايا يا شعب نغير مصر بجد
وكلا الشعارين فضفاض، ولا يدل بالضرورة على محتوى البرنامج الإنتخابي
إذا المقصود بالشعار هو إيصال مجموعة من الرسائل لأطراف مختلفة قد تكون الناخبين المباشرين، وقد تكون قوى المجتمع المدني، وقد يكون الحلفاء السياسيون، ...إلخ
ثم إن شعار الإسلام هو الحل ليس في الحقيقة شعار الإخوان
بل هو شعار اقترحه المرحوم بإذن الله الأستاذ عادل حسين عضو حزب العمل في وقت التحالف بين الإخوان وحزبي العمل والأحرار في انتخابات مجلس الشعب 1987
ثانيا: هناك إجماع على النقاط التالية
أولا: أن كلا الشعارين يمثل الإخوان، فمن ينادي بشعار الإسلام هو الحل يؤمن بأن مصر لكل المصريين، من ينادي بشعار مصر لكل المصريين (وأنا منهم) يؤمن بأن الإسلام هو الحل
ثانيا: أن الخلاف هو أمر صحي ويدل على حيوية المؤسسة، ويجب الحفاظ عليه وعدم السعي لوئده
ثالثا: أن الخلاف تحسمه مؤسسات الجماعة عن طريق الشورى، التي هي الفيصل والحكم، وأن قيادة الإخوان باعتبارها قيادة منتخبة فهي مسئولة عن تفعيل الشورى لاتخاذ القرار، وهي مسئولة أمام ربها أولا وأمام قواعد الإخوان ثانيا عن نتائج اختياراتها
رابعا: أن الجميع متفق على الالتزام بالقرار الذي تصل إليه الشورى حتى لو لم يتوافق مع رأيه الشخصي، فقد تعلمنا في آداب العمل الجماعي في الإسلام، وفي الواقع المشاهد حول العالم، أن الأقلية لا يمكن أن تكون لها الكلمة، والأقلية هنا ليست أقلية دائمة، فمن يختلف معي في هذه القضية من المحتمل أن يتفق معي في غيرها، وإذا لم أستطع أن أقنع الأغلبية برأيي فذلك معناه أنه إما لم يكن الأصوب، أو أنني لم أعرضه بالشكل المناسب، وذلك لا يعني أنني لن استطيع أن أقنعهم برأيي في قضايا أخرى
خامسا: أن الجميع متفق على أن الشعار الإنتخابي هو وسيلة وليس غاية، وأنه ليس من ثوابت الجماعة، وأنه قد يتغير من وقت لاخر بحسب الظرف السياسي، والرسالة المطلوب أرسالها في وقت معين دون غيره
ثالثا: هناك خلاف حول النقاط التالية
أولا: الرسالة المطلوب إيصالها في الوقت الحالي، ففي حين يرى البعض أن المطلوب هو إرسال رسالة التمسك بالمبادئ التي قامت من أجلها الجماعة وقامت عليها هويتها وحركتها، ونقل هذا التمسك إلى الشارع المصري
يرى البعض الآخر أن نزول الانتخابات في حد ذاته تمسك بتلك المبادئ، وأن الشارع ليس في حاجة لمزيد من التأكيد على هذا الأمر، وأن الرسالة المطلوب إرسالها هي رسالة توضيحية وتكميلية للرسالة الأولى، تقول أن الجماعة منهجها لا يميز ضد أي شخص أيا كان دينه أو جنسه، وأنها تؤمن بالمساواة التي تفرض عليها الدفاع عن حقوق الضعفاء الذين تعرضوا للغرق في العبارة، والقتل في قصور الثقافة، والسرطان، والسرقة، والنهب، والتعذيب
ثانيا: الجهة التي توجه إليها الرسالة، ففي حين يرى البعض أن المشكلة هي مع النظام الذي يجب أن يعي أن حملاته المستمرة لن تثني الجماعة عن مطالبها ورؤيتها للإصلاح التي يلتف حولها الملايين، يرى البعض الاخر أن الرسالة لا يجب أن توجه للنظام الذي لا يستمع لأي رسائل، بل يجب أن تكون رسالة للقوى السياسية والوطنية الأخرى التي نجحت وسائل الإعلام والحملات الإعلامية المستمرة في تغيير فكرتها عن الإخوان وإيصال صورة خاطئة عن طبيعة ما يدعون إليه
وموقفي من هذا كله
هو أنني أرى وبوضوح أن الأصلح في المرحلة الحالية هو تغيير الشعار
ولكنني أعرف يقينا أن رأيي ليس بالضرورة هو الأصوب
وأعلم أن الحوار والاختلاف هو ما سيؤدي للوصول لأفضل القرارات
بس كدة خلاص
أنا عارف إن التدوينة طويلة شوية، بس مرة من نفسي
Subscribe to:
Posts (Atom)